الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المضطهدين، وعرف حاكمه بالعدل والإنسانية، ولكنّ العهد لم يكن عهد تسجيل الحوادث، وليست أمامنا وثائق تاريخية تثبت ذلك، ولكنّ القياس يقتضيه.
إسلام عمر بن الخطّاب رضي الله عنه:
وأيّد الله الإسلام والمسلمين بإسلام عمر بن الخطّاب العدويّ القرشيّ، وكان رجلا مهيبا، ذا قوّة وشكيمة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصا على إسلامه، يدعو الله لذلك.
وكان من خبر إسلامه أنّ أخته «فاطمة» بنت الخطاب أسلمت وأسلم بعلها سعيد بن زيد، وكانا يخفيان إسلامهما من عمر، لهيبته وشدّته على الإسلام والمسلمين، وكان خبّاب بن الأرتّ يختلف إلى فاطمة يقرئها القرآن.
فخرج عمر يوما متوشّحا سيفه، يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطا من أصحابه، قد ذكر له أنّهم اجتمعوا في بيت عند «الصّفا» فلقيه نعيم بن عبد الله- وهو من قومه بني عديّ، وكان قد أسلم- فقال له: أين تريد يا عمر؟
قال: أريد محمدا هذا الصّابىء، الذي فرق أمر قريش، وسفّه أحلامها، وعاب دينها، وسبّ آلهتها، فأقتله.
فقال له نعيم: لقد غرّتك نفسك يا عمر! أفلا ترجع إلى أهل بيتك، فتقيم أمرهم؟
قال عمر: وأيّ أهل بيتي؟!
قال: ختنك وابن عمّك سعيد بن زيد، وأختك فاطمة بنت الخطّاب، فقد والله أسلما، وتابعا محمدا على دينه، فعليك بهما.
ورجع عمر عامدا إلى أخته وختنه، وعندهما خبّاب بن الأرتّ، ومعه صحيفة، فيها سورة طه يقرئها إيّاها، فلمّا سمعوا حسّ عمر، تغيب خبّاب في مخدع لهم «1» ، وأخذت فاطمة الصحيفة وجعلتها تحت فخذها، وقد سمع عمر حين دنا إلى البيت قراءة خبّاب، فلمّا دخل، قال: ما هذه الهينمة «2» ؟.
قالا له: ما سمعت شيئا.
قال: بلى، والله لقد أخبرت أنّكما تابعتما محمّدا على دينه.
وبطش عمر بختنه سعيد بن زيد، فقامت إليه أخته فاطمة، لتكفّه عن زوجها، فضربها فشجّها.
فلمّا فعل ذلك، قالت له أخته وختنه: نعم، قد أسلمنا وآمنّا بالله ورسوله، فاصنع ما بدا لك!
ولمّا رأى عمر ما بأخته من الدم، ندم على ما صنع، وتوقّف وقال لأخته: أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرؤونها آنفا، أنظر ما هذا الذي جاء به محمد، وكان عمر قارئا، فلمّا قال ذلك، قالت له أخته: إنّا نخشاك عليها.
قال: لا تخافي، وحلف لها بالهته، فلمّا قال ذلك، طمعت في إسلامه، فقالت له: يا أخي! إنك نجس على شركك وإنّه لا يمسّها إلا الطاهر.
فقام عمر، فاغتسل، فأعطته الصحيفة، وفيها طه، فلما قرأ منها صدرا، قال: ما أحسن هذا الكلام، وأكرمه!.
(1) المخدع: البيت الصغير الذي يكون في البيت الكبير.
(2)
الهينمة: صوت كلام لا يفهم.
فلمّا سمع ذلك خبّاب، خرج إليه، وقال له: يا عمر! والله إنّي لأرجو أن يكون الله قد خصّك بدعوة نبيّه، فإنّي سمعته أمس، وهو يقول:«اللهمّ أيّد الإسلام بأبي الحكم بن هشام (يعني أبا جهل) أو بعمر بن الخطاب» فالله الله يا عمر «1» .
عند ذلك قال له عمر: فدلّني يا خبّاب على محمّد، حتى آتيه فأسلم، قال خبّاب: هو في بيت عند الصفا، معه نفر من أصحابه، فأخذ عمر سيفه، فتوشّحه، ثمّ عمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فضرب عليهم الباب، فلمّا سمعوا صوته، قام رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر من خلل الباب، فرآه متوشّحا بالسّيف.
فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فزع، فقال: يا رسول الله! هذا عمر بن الخطاب، متوشّحا السيف.
فقال حمزة بن عبد المطلب: فائذن له، فإن كان جاء يريد خيرا بذلناه له، وإن جاء يريد شرّا قتلناه بسيفه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ائذن له» ، فأذن له الرجل.
ونهض إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لقيه في الحجرة فأخذ بحجزته «2» ، أو بمجمع ردائه، ثم جبذه به جبذة شديدة، وقال:«ما جاء بك يابن الخطّاب؟، فو الله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة» .
فقال عمر: يا رسول الله! جئتك لأؤمن بالله وبرسوله، وبما جاء به من عند الله.
(1)[أخرج هذه القصة ابن سعد في الطبقات (3/ 267- 269) ، والبيهقي في «الدلائل» (2/ 219) ] .
(2)
الحجزة: موضع شد الإزار.