الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فئة الشتري والويش «1» ، وقد صرّح «منوشاستر» أنّ المنبوذين لم يخلقهم الله إلّا لغرض واحد، وهو خدمة الطبقات الثلاث التي مضى ذكرها «2» .
إنّ أهل الهند القدامى لم يكونوا يعرفون وراء جبال «هملايا» دنيا، لا صلة لهم بالعالم الخارجيّ، وبالشعوب الآخرى، ولا رغبة لهم في الإطلال عليها، لذلك فإنّ البحث عن مثل هذا الإعلان عن نبيّ أو وليّ أو مصلح فيهم عبث وإضاعة جهد ووقت.
الحقيقة أنّ البحث عن نبيّ يكون رحمة للعالمين في ديانة لا تحمل عقيدة «ربّ العالمين» غير معقول وغير منطقيّ.
2- قيمة الرحمة التي اقترنت بالبعثة المحمديّة كما وكيفا:
إنّ لتقدير شيء، ووضعه في محلّه المناسب ومكانه اللائق مقياسين بصورة عامّة:
الأوّل: مقداره وحجمه الذي يعبّر عنه في المصطلح الحديث بالكميّة.) Quantity (
والثاني: جوهره ووصفه الذي يقال له الكيفية.) Quality (
وهذا الإعلان الذي نادى به القرآن يشمل هذين النوعين، ويجمع بين الناحيتين، فإنّ بعثته صلى الله عليه وسلم وشخصه العظيم، وتعاليمه السامية الخالدة أفاضت على الإنسانيّة مسحة جديدة من الحياة والنشاط، وكانت السبب المباشر في شفائها من أسقامها وعلّاتها، وفي حلّ معضلاتها، ونهاية آلامها وأحزانها، وهطول أمطار الرحمة والبركة، واليمن والسعادة، والخير
(1) منوشاستر: الباب الأول- آية 89- 90.
(2)
المصدر السابق: الباب الأول- 91.
والفلاح على أرضها المجدبة القاحلة، وكانت هذه المعطيات المحمديّة الغالية منقطعة النظير بحساب السعة والوفرة، والحجم والكميّة) Quantity (وبحساب النفع والإفادة والجوهر والكيفية) Quality (أيضا.
(الرّحمة) لفظ شاع استعماله في حياتنا اليوميّة، وهو يطلق على كلّ شيء ينال به الإنسان نفعا وراحة، أمّا أنواع الرحمة وأقسامها، ودرجاتها ومدارجها، فلا حصر لها، يقدّم أحدنا الماء البارد إلى أخيه العطشان، ويدلّ المسافر والغريب على الطريق، ويحرّك له المروحة في يوم صائف شديد الحرّ، الأمّ تحنو على طفلها، الأب يربّي ولده ويعلّمه، ويزوّده بحاجيات الحياة، المدرّس يدرّس تلاميذه، ويمنحهم ما عنده من نعمة العلم، وهكذا إطعام الجائع المسكين، وإكرام الضيف، وكساء العريان، كلّ ذلك من مظاهر الرحمة العامة، وألوانها المختلفة الزاهية، وهي تستحقّ منّا كلّ تقدير، واعتراف، وشكر.
ولكنّ أكبر مظهر من مظاهر الرحمة، وأروع صورة من صورها الجميلة أن ينقذ أحدنا أخاه من مخالب الموت، هناك طفل صغير بريء نراه في حالة الاحتضار، كاد يلفظ نفسه الأخير، الأمّ تقف إلى جواره تبكي، قد أظلمت الدّنيا في ناظريها، وانقطع أملها في فلذة كبدها، ومأوى حنانها وحبّها، الأب يسعى هنا وهناك هائما على وجهه، فلا يجد راقيا وأنيسا، هنالك يأتي طبيب حاذق، كما ينزل الملك من السماء ويقول مهلا.. لا داعي للقلق، ولا موجب لليأس، ولا يلقي في فم الطفل قطرات قليلة من الدواء حتّى يفتح عينيه وينشط.
تصوّر ماذا يقال لهذا الطبيب؟ ألا يقال له: أنّه ملك الرحمة، أرسله الله لإنقاذ هذا الطفل، وإعادة الحياة إليه؟ هنالك تتلاشى كلّ هذه الأنواع من