الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان فصيح اللسان، بليغ الكلام، وكان يمتاز بتمكّن عجيب من اللغة العربية، وتذوّق رفيع للأدب، وكانت تراكيبه اللفظية تلفت السامع، وتستهوي القلب، وكان يغلب على أسلوبه العنصر العاطفي الملتهب، ومع ذلك إذا طرق باب البحث أجاد وأفاد وأمتع.
كان شديد العبادة والاجتهاد في رمضان، وكان يؤمّه مئات من الناس من أنحاء الهند ويصومون معه ويقومون، ويتحوّل المكان الذي يقضي فيه رمضان إلى زاوية عامرة بالذكر والتلاوة، والسهر والعبادة.
كان من أعظم آماله- رحمه الله أن يرى الإسلام سائدا على الأرض، وأن يرى الدول الباغية مقهورة حتى يسلّي نفسه ويستبشر، ويرى انتقام الله من الذين حاربوا الإسلام وأذلّوا المسلمين.
مؤلّفاته:
للعلّامة الندوي- رحمه الله مؤلّفات قيمة، ورسائل ممتعة في السيرة، والفكر، والدّعوة، والأدب، والتراجم، نذكر هنا ما هو الأشهر منها بالعربيّة:
1-
السيرة النبوية.
2-
الطريق إلى المدينة.
3-
سيرة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم (للمبتدئين) .
4-
المرتضى (في سيرة سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
5-
رجال الفكر والدّعوة في الإسلام (أربع مجلّدات) .
6-
الداعية الكبير الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي ودعوته إلى الله.
7-
شخصيات وكتب.
8-
ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟!
9-
الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية في الأقطار الإسلامية.
10-
الإسلام وأثره في الحضارة وفضله على الإنسانية.
11-
إلى الإسلام من جديد.
12-
المسلمون وقضية فلسطين.
13-
روائع من أدب الدعوة في القرآن والسيرة.
14-
الأركان الأربعة في ضوء القرآن والسنة.
15-
العقيدة والعبادة والسّلوك.
16-
التربية الإسلامية الحرّة.
17-
المدخل إلى الدراسات القرآنية.
18-
المدخل إلى دراسات الحديث.
19-
ربّانية لا رهبانيّة.
20-
القاديانية والقادياني دراسة وتحليل.
21-
في مسيرة الحياة (ثلاثة أجزاء في سيرته الذاتية) .
22-
مختارات من أدب العرب (مجلّدان) .
23-
روائع إقبال.
24-
إذا هبّت ريح الإيمان.
25-
المسلمون في الهند.
26-
مذكّرات سائح في الشرق العربي.
27-
قصص النبيّين (للأطفال) .
28-
قصص من التاريخ الإسلامي (للأطفال) .
وللعلّامة غير هذه المؤلّفات والكتب- مئات المقالات والمحاضرات والبحوث في السيرة النبوية، والفكر، والدّعوة، والأدب، والتراجم وفي موضوعات مختلفة، وقد جمعناها ونشرناها مصحّحة ومنقّحة في سلسلة «تراث العلّامة الندوي» فقد صدر منها حتى الآن:
1-
محاضرات إسلامية في الفكر والدّعوة (ثلاث مجلّدات) .
2-
مقالات إسلامية في الفكر والدّعوة (مجلّدان) .
3-
دراسات قرآنية.
4-
مقالات في السيرة النبوية.
5-
من أعلام المسلمين ومشاهيرهم.
6-
أبحاث في التعليم والتربية الإسلامية.
7-
أبحاث في الحضارة الإسلامية والتربية.
8-
بحوث في الاستشراق والمستشرقين.
9-
رحلات العلّامة أبي الحسن علي الحسني الندوي.
10-
مكانة المرأة في الإسلام.
11-
خطابات صريحة إلى الأمراء والرّؤساء.
12-
اسمعيّات «1» .
(1) من يريد الاستزادة من الاطلاع على حياته وشخصيته داعية، ومفكّرا، ومربّيا وأديبا يرجع إلى كتابنا «أبو الحسن علي الحسني الندوي الإمام المفكّر الداعية الأديب» (الطبعة الثالثة) طبع في دار ابن كثير بدمشق.
السّيرة النّبويّة للدّاعية الحكيم، المفكّر الإسلاميّ الكبير للعلّامة السيد أبي الحسن علي الحسني النّدوي (1333- 1420 هـ)(1914- 1999 م) تحقيق وتعليق سيّد عبد الماجد الغوريّ
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمة الطّبعة الحادية عشرة
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّد المرسلين وخاتم النبيين، محمد وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد! فإنّ أكبر مجموع من كلمات الشّكر، وإبداء السرور، لا يكفي للتعبير عما يجده مؤلّف الكتاب- الذي يعرف قدره- من السرور، والشكر والامتنان، على صدور الطبعة الحادية عشرة لكتابه المفضّل المحبوب «السيرة النبوية» في سنة 1415 هـ- 1995 م، ولا يجد إلى ذلك سبيلا إلّا أن يستعين بالقول المأثور في الشكر والامتنان، والاعتراف بالفضل والإحسان، «الحمد لله الذي بعزّته وجلاله تتمّ الصالحات» .
وينتهز المؤلّف- ككلّ مؤلّف فاحص يواصل سيره في طلب المزيد الجديد، والمنير المفيد، في رحلته العلمية التأليفية- هذه الفرصة لضمّ زيادات، ليست كبيرة القامة، ولكنها كبيرة القيامة، وتعديلات يسيرة، إلى هذه الطبعة الحادية عشرة، وآثر- في ضوء تجاربه كمؤلّف- أن يكون ذلك تحت إشرافه وعلى كثب منه.
وإلى القراء الكرام، والمؤسّسات العلمية، والمراكز التعليمية والتربوية؛ التي عنيت بهذا الكتاب وأثرته دراسة وتدريسا، وفحصا وتدقيقا، هذه الطبعة الجديدة المزيدة، والحمد لله أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا.
1 سلخ رجب 1416 هـ 21/ 12/ 1995 م
2 المؤلف أبو الحسن علي الحسني النّدوي دار العلوم لندوة العلماء- لكهنؤ
تقديم الطّبعة السّابعة
الحمد لله ربّ العالمين، والسلام على سيّد المرسلين وخاتم النبيين محمد وآله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد؛ فقلب المؤلّف وقلمه يسجدان لله شكرا ويلهجان بحمده نطقا وكتابة، على تقديم الطبعة السابعة «للسيرة النبوية» فقد صدرت الطبعة الأولى سنة 1397 هـ (1977 م) والطبعة السادسة في 1405 هـ (1984 م) ، من دار الشروق بجدّة، ولقي الكتاب من القرّاء والمعنيّين بالموضوع، ورجال التربية والمؤسّسات العلمية، عناية يحمد الله عليها المؤلّف، ونقلت إلى عدّة لغات غير العربية مثل الأردوية والهندية (اللغة الرسمية في الهند القريبة إلى السّنسكريتية) والإنجليزية والتركية والأندونيسية، وعني بها الدارسون في إطار هذه اللغات المنتشرة في نطاق واسع.
وقد سنحت للمؤلّف فرصة الاطّلاع على ما كتب في السيرة النبوية وما يتصل بها تاريخيا، وجغرافيا، وحضاريا، واجتماعيا، ودراسات مقارنة، خصوصا في اللغات الثلاث: العربية، والأردوية، والإنجليزية، في هذه الفترة، فالتقط منها بعض ما يزيد في المواد الموضوعية، وشرح خلفيات الحوادث والدراسة المقارنة، ويلفت نظر المؤلّف إلى إيضاح بعض الجوانب التاريخية والعلمية، والدعوية في السيرة النبوية فاستفاد من ذلك، وقام بضمّ زيادات ذات قيمة يبلغ عددها إلى عشرين زيادة، بين موجزة ومستفيضة، يجدها القارىء في مكانها.
ولم يقتصر المؤلّف- من أوّل عهده بتأليف هذا الكتاب، إلى استئناف
النظر فيه والزيادة والتنقيح- على عرض الوقائع والأخبار ومجرّد التاريخ والتوقيت كقائمة معلومات رتيبة خشبية، بل عني كذلك باستنتاج نتائج عميقة المعنى بعيدة المدى، ذات قيمة في دراسة سير الأنبياء ودعواتهم، لا سيّما سيرة سيّدهم وخاتمهم صلى الله عليه وسلم ودعودته، وفي النفسيات البشرية، وعلم الاجتماع والأخلاق، وهي من وحي السيرة ومن حقوقها وواجباتها على الدارس المؤمن والمعنيّ بتربية الأجيال المسلمة، وتوجيه المربّين والدعاة، والمؤلّفين والباحثين في موضوع السيرة.
وقد جاءت هذه الطبعة- بتوفيق الله تعالى ويسره- جامعة بين مواد السيرة الأصيلة الموثوق بها، وبين أحدث ما كتب وتوصّل إليه الباحثون في هذا الموضوع، وبين الأمانة التاريخية والتحقيق العلمي، وبين تغذية الإيمان والعاطفة بما لا سبيل إليه إلّا في السيرة، وهي غاية أكبر عدد من قرّائها، وحاجة الجميع من أفراد البشر، وذلك من غير تفخيم أو تلوين، فالسيرة غنيّة عن كلّ هذا، فائقة في روعتها وجمالها، قائمة بذاتها في التأثير على النفوس والعقول.
وأخيرا المؤلّف يحمد الله على أنه فسح في أجله، وهيّأ له الأسباب، حتّى يتمكّن من النظر في كتابه وتناوله بالتنقيح والزيادة، ويشكر «دار الشروق» العزيزة وصاحبها الحبيب الفاضل سعادة الأستاذ محسن أحمد باروم على عنايتها بنشر هذا الكتاب وإصداره طبعة بعد طبعة، والعناية بحسن إخراجه، ويسأل الله لهما التوفيق الدائم وحسن القبول.
1 بومباي الهند 17/ من ربيع الثاني 1407 هـ 20/ 12/ 1986 م
2 أبو الحسن عليّ الحسني النّدوي أمين عام ندوة العلماء لكهنؤ (الهند)
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمة الكتاب في طبعة الأولى «1»
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّد المرسلين وخاتم النبيين، محمّد وآله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمّا بعد؛ فقد كانت السيرة النبوّية- على صاحبها الصلاة والسّلام- المدرسة الأولى التي تعلّم فيها مؤلف هذا الكتاب، وقد دخلها في سنّ مبكّرة، لا يدخل فيها الأطفال في عامة الأحوال، والفضل في ذلك يرجع إلى الجوّ الذي كان يسود بيته وأسرته، فقد كانت السيرة تكوّن عنصرا أساسيا في الثقافة التي يتلقّاها أبناء الأسرة وأطفال البيت، وإلى المكتبة الصغيرة البسيطة المؤلّفة من منظوم ومنثور، التي كانت تنتقل من يد إلى يد، ثم إلى تربية أخيه الأكبر الدكتور السيد عبد العلي الحسني، وتوجيهه الحكيم، فقرأ في صباه أفضل ما كتب في السيرة النبوية في «أردو» - لغة مسلمي الهند-، وهي أغنى لغات العالم الإسلامي بعد اللغة العربية في موضوع السيرة، وهي تحتوي على أقوى وأجمل ما كتب فيها في العصر الأخير «1» .
ثم لمّا صار يشدو باللغة العربية عكف على كتب السيرة، التي ألّفت
(1) اقرأ قصة صلة المؤلف بكتب السيرة، وتأثيرها في ثقافته وعقليته وسيرته في كتاب «الطريق إلى المدينة» المقال الأول بعنوان «الكتاب الذي لا أنسى فضله» ص (15) من طبعة دار ابن كثير بدمشق.
فيها، وكانت في مقدّمتها «السيرة النبوية» لابن هشام، و «زاد المعاد في هدي خير العباد» لابن قيّم الجوزية، ولم يدرسهما دراسة علمية فحسب، بل عاش فيهما زمنا طويلا، يذوق بهما حلاوة الإيمان، ويغذّي بما جاء فيهما من القصص والأخبار عاطفة الحبّ والحنان، ومن المقرّر أن السيرة أقوى العناصر التربوية وأكثرها تأثيرا في النفس والعقل بعد القرآن، ثم قرأ ما وصلت إليه يداه من كتب السيرة المؤلّفة قديما وحديثا، وفي لغات مختلفة.
وكانت السّيرة هي المادّة الأولى التي يعتمد عليها في كتاباته ومحاضراته، يستمد منها القوّة في البيان، والتأثير في العقول والقلوب، والدلائل القوية، والأمثلة البليغة، لإثبات ما يريد إثباته، وهي التي كانت ولا تزال تفتّق قريحته، وتشعل مواهبه، وما من كتابة ذات قيمة من كتاباته إلا وعليها مسحة من جمال السيرة، وفضل لدراستها والتأمل فيها.
وقد جمع ما كتب في جوانب السيرة المختلفة، وعظمة البعثة المحمّدية وما ألقاه من محاضرات وأحاديث، في كتاب أسماه «الطريق إلى المدينة» «1» .
وقد عاش المؤلّف هذه المدّة الطويلة، وقد ألّف عشرات من الكتب لا يفكّر في إفراد كتاب في السيرة النبوية، رغم أنه كان يشعر بمسيس الحاجة إلى كتاب كتب في أسلوب عصريّ علميّ، استفيد فيه من خير ما كتب في القديم والحديث، مؤسّسا على مصادر السيرة الأولى الأصيلة، مطابقا لما جاء في القرآن والسنة الصحيحة، لم يكتب في الأسلوب الموسوعي) Encyclopaedic (الحاشد للمعلومات في غير نقد وتمحيص، الأسلوب الذي
(1) ظهرت لهذا الكتاب ثلاث طبعات في المدينة المنورة، ولكهنؤ، وآخرها طبعة دار ابن كثير ودار القلم بدمشق.
اعتاده أكثر المؤلّفين المتوسّطين والمتأخّرين وقليل من المؤلّفين المتقدّمين، والذي كان مثار كثير من التساؤلات التي برّأ الله السيرة الكريمة منها، وأغنى المسلمين عنها، قد نالته يد التنقيح والتحقيق من غير تقليد للاتجاهات العصرية، وخضوع لكتابات المستشرقين وأقوال المشكّكين، متمشيا مع المقرّرات الدينية التي تفهم في ضوئها الكتب السّماوية وسير الأنبياء، والمعجزات، والأخبار الغيبية، قائما على مبدأ أنه سيرة نبيّ من الأنبياء، مبعوث من الله، مؤيّد منه، لا سيرة عظيم من العظماء، أو زعيم من الزعماء، يسوغ أن يقدّم إلى كل مثقف منصف من المسلمين وغير المسلمين من غير تحفّظ أو استثناء، أو حاجة إلى تأويل، يعتمد فيه المؤلّف على الحوادث والوقائع، ومادة السيرة، ويدعها تنطق بلسانها، وتشقّ الطريق بنفسها إلى القلوب والعقول، أكثر مما يعتمد على فلسفته للحوادث وتعليله للأخبار، ومقدماته الطويلة العريضة، فالسيرة النبوية غنية بجمالها وروعتها وسحرها على النفوس والعقول، ووقعها منها موقع القبول، من شفاعة شافع وتدليل حكيم، وبراعة أديب، وجلّ ما يحتاج إليه المؤلّف، هو جمال العرض، وحسن الترتيب، وجودة التلخيص.
ثم يتجلّى فيه العقل والعاطفة جوارا بجوار، فلا يكون فيه البحث العلمي والنقد التحليلي على حساب العاطفة والحب والإيمان، اللذان لا بدّ منهما في تذوّق السيرة والاستفادة منها وفهم قضاياها وأحكامها وحوادثها، فإنه إذا تجرّد الكتاب من العاطفة والحب والإيمان، كان خشبيا مصنوعا لا حياة فيه، وكذلك يجب ألا يكون العنصر العاطفي العقيدي على حساب المتطلبات العقلية السليمة التي نماها هذا العصر بصورة خاصة، وعلى حساب المنطق السليم الذي لم يتجرد منه عصر من العصور، فيكون كتاب عقيدة وتقليد فحسب، لا يطيق قراءته ولا يسيغ ما جاء فيه إلا الأقوياء في الإيمان،
والراسخون في الإسلام، من الذين نشؤوا في بيئة دينية خالصة لا شأن لها بالعالم الخارجي، وبالثقافة العصرية، وذلك وإن كانت موهبة من الله، فإن سيرة نبيّ أرسل إلى الناس كافة، وأرسل رحمة للعالمين، لا يجوز أن تجعل مقصورة على هذه الطبقة السعيدة المؤمنة، محجورة على من لم تسمح ظروفهم بالنشوء في هذه البيئة المسلمة المؤمنة، وأرادت حكمة الله أن يولدوا في بيئات غير إسلامية، ثم يدركهم اللطف الإلهي، وتهبّ عليهم نفحة من نفحات هذه السيرة العطرة، فينتقلون بقوتها وجاذبيتها إلى حظيرة الإيمان ومعسكر الإسلام، وليس حق غير المسلمين على هذه السيرة وحظهم فيها أقلّ من حق المسلمين الذين نشؤوا في ظلال الإيمان والإسلام، والدواء حاجة المريض أكثر من حاجة السليم، والقنطرة يحتاج إليها من يعيش وراء النهر أكثر مما يحتاج إليها من يعيش دونه.
ثم لا يسع المؤلّف في السيرة صرف النظر عن البيئة التي كان فيها وجودها وقيامها، وعن العصر الذي كان فيه طلوعها وبزوغها، فلا بد من وصف الجاهلية العالمية الضاربة أطنابها على الأرض كلها في القرن السادس المسيحي، ومدى ما وصل إليه هذا العصر من الفساد والانحطاط، والقلق والاضطراب، ووصف حالته الخلقية والاجتماعية، والاقتصادية والسياسية وما تضافر عليه من عوامل الإفساد والإضلال والتدمير والإبادة، من حكومات جائرة، وأديان محرّفة، وفلسفات متطرفة، وحركات هدّامة.
وحين أراد المؤلّف أن يكتب فصلا في تفصيل وتوسّع على العصر الجاهلي يقدم به كتابه «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟» وجد في ذلك صعوبة لا ينساها حتى اليوم، واضطرّ إلى أن يجمع المعلومات من المراجع الأجنبية والكتب التي ألّفت في تاريخ البلاد والأمم، والدّول المعاصرة لنشوء الإسلام، في اللغات الأوربية، فالتقطها من ثنايا هذه الكتب كما تلتقط حبّات
السّكّر الدقيقة من أفواه النّمل (حسب المثل الأردي) ، فجاء هذا الفصل الموسّع «1» ، الذي ينير الطريق لمن يقرأ كتب السيرة، ويحاول أن يدرك عظمة البعثة المحمدية وضخامة المهمة التي اضطلعت بها والنتائج العظيمة الجسيمة التي أسفرت عنها.
وكان كلّ كتاب يؤلّف في السيرة النبوية في العصر الحديث جديرا بهذا النوع من البحث والنمط في التحقيق، وإلقاء الأضواء القوية العلمية على العصر الجاهلي والتصوير الدقيق الأمين لما كان يجيش به من فساد واضطراب، وانهيار وانتحار.
وذلك شأن البيئة التي كانت فيها البعثة، وظهور الإسلام، والبلد الذي ظهرت فيه هذه الدعوة، وولد فيه صاحب الرسالة- عليه الصلاة والسلام وقضى فيه ثلاثا وخمسين سنة من عمره، وعاشت فيه الدعوة ثلاث عشرة سنة، فلا بدّ أن يعرف الدارس للسّيرة مدى ما وصل إليه العقل فيه والوعي والمدنيّة، ومكانة هذا البلد الاجتماعية والسياسية وحالته الدينية والعقائدية ووضعه الاقتصادي والسياسي، وقوّته الحربية والعسكرية حتى يعرف طبيعة هذا البلد وعقلية سكانه والعقبات التي كانت تعترض في سبيل انتشار الإسلام وشقه الطريق إلى الأمام.
وقل مثل ذلك وأكثر عن مدينة (يثرب) التي انتقل إليها الإسلام، وهاجر إليها الرسول وأصحابه، وأراد الله أن تكون مركز الإسلام الأول، فلا يقدّر مدى قيمة النجاح الذي حقّقه الإسلام وقدرته على التربية والبعث الجديد، وحل المعضلات، والجمع بين العناصر المتناقضة وعظمة المأثرة النبوية،
(1) جاء هذا الفصل في الباب الأول، في كتاب «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟» بعنوان:«الإنسانية في احتضار» طبع دار ابن كثير بدمشق.
وإعجازها في تأليف القلوب وتربية النفوس، إلا إذا عرف الإنسان وضعيّة هذه البيئة الغريبة المعقّدة التي واجهها الرسول والمسلمون.
ولا تفهم كثير من الحوادث والأحكام التي يمرّ بها القارىء في كتب السيرة والحديث إلا إذا عرف حالة المدينة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وطبيعة أرضها وجغرافية هذا البلد وما حوله، وما كان يتركب به من عناصر إنسانية وإقليمية، وصلات أجزاء عمرانه بعضها ببعض، والأعراف والمعاملات الشائعة قبل الهجرة وانتشار الإسلام فيه.
فإذا جهل القارىء كلّ هذا، وبدأ رحلته في كتب السيرة شعر بأنه يمشي في نفق لا يبصر فيه ما حوله، وكان على غير بينة من الأمر.
وكذلك القول عن الحكومات المعاصرة والبلاد المجاورة، فلا يتبيّن القارىء خطورة الإقدام الذي قامت به الدعوة الإسلامية، وقوة مغامرتها، إلا إذا عرف حجم هذه الحكومات التي كانت تقوم حوله، والتي خاطبها الإسلام ودعاها الرسول- عليه الصلاة والسلام إلى الإيمان برسالته، وقبول حكم الإسلام، وما وصلت إليه من المدنية والثقافة، والقوة الحربية والرفاهية والعمران، وما كان يتمتع به ملوكها من حول وطول، وصولة وشوكة.
وقد ألقى العلم الحديث ضوءا على تاريخ هذه الحكومات والبلاد والمجتمعات التي كانت تعيش فيها، ورفع الستار عن كثير مما كان مجهولا أو غامضا أو ملتويا في العصر القديم، فكان من الواجب أن يستعين بكل ذلك المؤلّف العصريّ في السيرة النبوية، ويستعين بالحديث الأحدث ممّا كتب ونشر من كتب التاريخ والجغرافية، والدراسة المقارنة.
كان المؤلّف يشعر بكلّ هذا مع اعتراف بجهود المؤلّفين في هذا الموضوع، وبقيمة ما صدر عن أقلامهم في فترات مختلفة ولغات مختلفة،
وفضله في الدعوة الإسلامية، وتحبيب السيرة إلى نفوس القراء، وتقريبها إلى أذهان الناشئة.
وكان يرى السعادة في تأليف كتاب جديد في السّيرة النبوية لينخرط في سلك المؤلّفين النورانيّ في هذا الموضوع الحبيب الجليل.
ولكنّه كان يتهيّب الكتابة في هذا الموضوع في توسّع وتفصيل، لضيق وقته، وضعف بصره، ولأنه جرّب أن كتاب سيرة لعظيم من العظماء فضلا عن نبيّ من الأنبياء، فضلا عن سيّد الأولين والآخرين، وأشرف المرسلين، من أصعب الموضوعات التي يعالجها المؤلّفون وأدقّها، وقد مارس موضوع تأليف السّير والتراجم للشخصيات المشهورة وأعلام المسلمين من القدماء والمحدثين والمعاصرين عمليا، فقد اشتغل بكتابة السّير وحياة العظماء من أئمّة المسلمين وقادتهم، والمصلحين والعلماء الربّانيّين، بعد ما شبّ عن الطوق، وأمسك القلم، وعرف الكتابة، وقد كتب بقلمه آلافا من الصفحات في سيرة هؤلاء العظماء، وعاش بين التراجم والسّير منذ الصغر، فقرأ منها الكثير وكتب منها الكثير «1» .
ومن هنا عرف دقّة هذا الموضوع، وضخامة هذه المسؤولية، فمن المؤلّفين من تتغلّب عليه نزعة أو اتجاه خاصّ، فيخضع له من يترجمه من حيث يشعر ومن حيث لا يشعر، فتأتي كتابته صورة لعقليته وعاطفته،
(1)[ومن تلكم الكتب- فضلا عن السيرة النبوية هذه- «المرتضى» في سيرة أمير المؤمنين سيدنا أبي الحسن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وكرّم وجهه، طبع في دار القلم بدمشق و «رجال الفكر والدّعوة في الإسلام» في أربعة أجزاء؛ طبع أخيرا في دار ابن كثير بدمشق، وعشرات من المقالات في سيرة الأئمّة المصلحين والعلماء الربانيّين من القدماء والمعاصرين، فقد جمعناها في كتاب مستقلّ، ونشرناها بعنوان «من أعلام المسلمين ومشاهيرهم» في سلسلة «تراث العلامة الندوي» صدر في دار ابن كثير بدمشق] .
ممثّلة لاتجاه خاص كان يسيطر على مؤلف الكتاب.
ومنهم من يريد أن يصوّر أحد العظماء فيصوّر نفسه، ويريد أن ينظر إليه نظرة مجردة، فيبدأ ينظر إليه من خلال ميوله وتجاربه ووجهة نظره، ويسلّط عليه مقاييسه الخاصة.
إنّ من درس علم النفس والأخلاق، وعني بدراسة الشخصيات المعاصرة، وعاش معها طويلا عرف أنّ النزول في أعماق نفس إنسان والإحاطة بافاقها، وتصويرها تصويرا دقيقا شاملا من أصعب أنواع المعرفة وأساليب البيان وأدقّها، وأنه لا يحسن ذلك بعض الإحسان، ولا يقدر عليه بعض القدرة إلا من عرف شيئا كثيرا من خوالج النفس وخواطرها، وآمالها وآلامها، وأحزانها وأشواقها والتهاب الروح، ولوعة القلب، وقد رأى كيف يبيت هذا الإنسان ليله ويقضي نهاره، وكيف يعاشر أهله ويعامل أصحابه، قد رآه في السّلم والحرب، والرّضا والغضب، وفي العسر واليسر، والضّعف والقوّة، ومن أحوال النفس الإنسانية ومشاعرها وأحاسيسها، ومن مظاهر الجمال والكمال ما لم توضع له ألفاظ بعد، ولا تفي به ثروة لغوية مهما اتّسعت ودقّت.
والسّيرة النبويّة المحمّدية تتميّز من بين سير أفراد البشر- وفيهم الأنبياء وغير الأنبياء- بدقّتها وشمولها، واستيعابها لدقائق الحياة وتفاصيلها وملامحها وقسماتها، وذلك بفضل علم الحديث، الذي لا يوجد له نظير، لا في تاريخ الأنبياء ولا في تاريخ العظماء، وكتب السّير والشمائل، وما جمع وحفظ من الأدعية «1» والأذكار النبوية، ومناجاته صلى الله عليه وسلم لربّه آناء الليل
(1) ليراجع مقال المؤلّف في صلة الأدعية النبوية بالسيرة؛ وقيمتها وأهميتها في دراستها، وأنها مرآة تجلت فيها خصائص النبوة وأسرارها وصلتها بالله وبالخلق، والمعرفة الدقيقة لحقائق-
والنهار وما حفظ ونقل من جوامع الكلم، وما أثر عن الوصافين الحاذقين من أصحابه وأهل بيته في صفته التي لم تحفظ كتب الآداب والتاريخ والأنساب، صفة أكثر منها دقة، وأعظم منها استيعابا للملامح البشرية والدقائق الخلقية «1» .
ولذلك لم يكن الأمر في تأليف السيرة النبوية من الصعوبة والغموض، والافتراض والقياس، كما هو في سير العظماء الأبطال، وأنّ سيرته صلى الله عليه وسلم أكمل السّير كما كانت أجملها، وهي مؤسّسة على نصوص قرآنية ووثائق تاريخية ودقائق في الخلق والخلق، وتفاصيل في العادات والعبادات، والأخلاق والمعاملات، لا يتصوّر فوق ذلك، وهي أقرب إلى الحقيقة والواقع، قربا لا يتصوّر فوقه، ولا يطمع في أكثر منه، بعد أن مضى على هذه الحياة الطيبة الكريمة مدة طويلة.
ولكن رغم وجود هذا الفارق الكبير بين سيرته صلى الله عليه وسلم وبين سير العظماء بل وبين سير الأنبياء، ورغم دقّتها التي لا دقّة فوقها، وشمولها الذي لا شمول فوقه، لا بدّ من الاعتراف بأن تصوير حياته وأخلاقه، واستيعاب المعجزات التي اشتملت عليها سيرته ودعوته وحياته الانفرادية والاجتماعية، ومعاملته
- الحياة الإنسانية، وعلم النفس والأخلاق ودقائقها؛ وقد نشر هذا المقال في رسالة مفردة في الأردية، ونقلها إلى العربية الأستاذ نور عالم الأميني الندوي، ونشرتها «المختار الإسلامي» في القاهرة بعنوان «دراسة للسيرة النبوية من خلال الأدعية المأثورة المروية» [ونشرت أخيرا بعنايتنا في دار البشائر الإسلامية ببيروت، مع مقال للعلّامة المؤلّف بعنوان «نظرات في الأدب النبوي، ودراسة للسيرة النبوية من خلال الأدعية المأثورة المروية» ] .
(1)
[اقرأ للتفصيل مقال العلّامة المؤلّف «النبي الخاتم، والدين الكامل، ومالها من أهمية في تاريخ الأديان والملل» ضمن مقالاته في السيرة النبوية التي جمعناها في كتاب مستقلّ بعنوان «مقالات حول السيرة النبوية» صفحة (115) ، صدر في سلسلة «تراث العلامة الندوي» عن دار ابن كثير بدمشق عام 1423 هـ- 2002 م] .
مع الله ومع الخلق، وآيات الحسن والإحسان في تكوين خلقه وخلقه، وفي حبّه ورأفته، وفي دعائه وابتهاله، وفي تألّمه للإنسانية ومصيرها، وفي منطقه وحكمته، وفي جامعيته وكماله، يكاد يكون مستحيلا، وأنّ ما جاء في كتب السّير والشمائل- على جماله وروعته- هو بعض ما خصّه الله به من جمال السيرة وكمال الخلق والخلق لا كلّه، وإن جلّ ما هنالك أنها محاولات وجهود يشكر عليها هؤلاء المؤلّفون ويؤجرون عليها، وهي ثروة عامة خالدة، يجد فيها كل إنسان وكل جيل من البشر، وكل طبقة من طبقات الناس حظها من الهداية والنور والتقليد والاقتداء لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب: 21] .
لكلّ ذلك كنت أتهيّب الكتابة في السيرة النبوية والتأليف فيها، وأستعظمها وأستصغر نفسي.
وقد حثّني عدد من الفضلاء وكرام الأصدقاء «1» على أن أؤلّف كتابا في السيرة النبوية في اللغة العربية أراعي فيه عقلية الجيل الجديد وذوقه ومستوى فهمه ونفسيته، وما جد من طلبات وحاجات وأسلوب كتابي ومنهج علمي، فلكل عصر أسلوبه ولغته، ومقادير وترتيبات في الأدوية والأغذية، وذلك كما قدمنا، من غير إخضاع السيرة النبوية للأهواء والأغراض وللنظريات العلمية التي تتغير صباح مساء، والشبه والاعتراضات التي يدفع إليها التعصّب الدينيّ أو الجهل العلمي أو الغرض السياسيّ.
وشرح الله صدري أخيرا لهذا التأليف، فعكفت على هذا الموضوع
(1) في مقدمتهم صديق المؤلف فضيلة الشيخ محمد محمود الصواف عضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة [توفّي- رحمه الله بتركية عام 1413 هـ (1992 م) ] .
وعشت فيه، أقرأ كتب السيرة والحديث، وكل ما أستعين به في هذا الموضوع من القديم والحديث، وبدأت أكتب معتمدا على أصحّ ما كتب وألّف في هذا الموضوع، واستعنت بما كتب في هذا الموضوع في العصر القديم والعصر الحديث، وبالمراجع الأجنبية التي توضح الكثير من السيرة، والتاريخ المعاصر، وتلقي ضوءا على الحكومات والمجتمعات المعاصرة «1» .
وحاولت أن يجمع الكتاب بين الجانب العلمي وبين الجانب التربوي البلاغي، لا يطغى أحدهما على الآخر، وأن يشتمل على أكبر مقدار من القطع النابضة الدافقة بالحيوية والتأثير، الآسرة للقلوب والنفوس التي لا يوجد نظيرها في سيرة إنسان ولا في تاريخ فرد أو جيل، أو دعوة أو دين، وذلك كله من غير تنميق أو تلوين، أو تحبير أو تحسين، فجمال الطبيعة والحقيقة لا يحتاج إلى تجميلات خارجية، أو تزيينات صناعية.
وكان هذا الكتاب شغلي الشاغل ما بين شوال 1395 هـ وشوال 1396 هـ (أكتوبر 1975 م- أكتوبر 1976 م) لم أشتغل بغير هذا الموضوع إلا اضطرارا، تتخلّل ذلك فترات قليلة من المرض ورحلات طويلة في الشّرق والغرب، حتى يسّر الله إتمامه في غرة شوال سنة 1396 هـ، وها هو الآن بين يدي القراء.
وأرى لزاما عليّ أن أشكر صديقين فاضلين لقيت منهما مساعدة كبيرة في تأليف هذا الكتاب، وهما فضيلة الشيخ برهان الدين السّنبهلي- أستاذ الحديث والتفسير في دار العلوم ندوة العلماء- وقد أعانني في تخريج الأحاديث والبحث عنها، والتحقيق في بعض ما جاء في كتب السيرة، جزاه
(1) وفي آخر الكتاب قائمة للمراجع العربية والأجنبية.
الله خير الجزاء، والأستاذ محيي الدين أحمد «1» فقد ساعدني مساعدة غالية في دراسة المراجع الأجنبية، والتقاط المعلومات المفيدة من كتب تاريخ الأمم والبلاد، والموسوعات الأجنبية، والمؤلّف شاكر لفضله معترف لجهوده وإخلاصه.
ولما كان هذا الكتاب كله إملاء لعجز المؤلّف عن الكتابة مباشرة استعان ببعض الإخوان في كتابته، وكان في مقدّمتهم العزيزان: محمد معاذ الإندوري الندوي، وعلي أحمد الكجراتي الندوي، وساهم في ذلك الأستاذ نور عالم الأميني الندوي.
وقد كان للأستاذ محمد حسن الأنصاري فضل في وضع الخرائط التاريخية الجغرافية التي زيّن بها الكتاب، وزاد في قيمته العلمية، كما كان للأستاذ الكبير الدكتور محمد شفيع رئيس قسم الجغرافيا في جامعة «عليّ كره» الإسلامية ومساعد نائب رئيس الجامعة، وللقسم الجغرافي في الجامعة فضل في تحسينها وإكمالها، والمؤلّف شاكر للإخوان جميعا.
والله أسأل أن ينفع بهذا الكتاب وأن يتقبّله تقبّلا حسنا، وأن يجعله ذخرا للآخرة، ووسيلة لدراسة هذه السيرة الطاهرة والاستزادة منها والانتفاع بها، وكفى للمؤلّف شكرا، وللكتاب قيمة إذا أثار كامن الحبّ والإيمان في نفس مؤمن، وانجذابا في قلب أحد من غير المسلمين إلى هذه السيرة الطاهرة العطرة، وحملته على دراسة الإسلام وتفهمه، إنّه وليّ التوفيق.
الجمعة 5/ 11/ 1396 هـ 29/ 10/ 1976 م
أبو الحسن عليّ الحسني النّدوي رائي بريلي- الهند
(1) وهو الذي وفّق أخيرا لنقل هذا الكتاب إلى اللغة الإنجليزية، وقد صدرت له طبعتان.