الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
به وأكثر حدبا عليه من أبنائه: عليّ، وجعفر، وعقيل «1» .
قصّة الراهب بحيرى:
يقال: إنّ أبا طالب خرج في ركب تاجرا إلى الشّام، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذاك ابن تسع سنين «2» فتعلّق بعمّه، فرقّ له، واستصحبه في هذه الرّحلة، فلمّا نزل الركب «بصرى» من أرض الشّام وبها راهب يقال له «بحيرى» في صومعة له، اهتمّ بهم، وصنع لهم طعاما، ولم يكن هذا من شأنه، لمّا رأى صنع الله به والخوارق من العادات، فلمّا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم احتفى به وتأكّد من آثار النبوّة فيه، ونبّه أبا طالب على علوّ مكانته، وقال: ارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه اليهود، فإنّه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، فرجع به أبو طالب إلى مكّة سالما.
وقد جاءت هذه القصة مطوّلة في سيرة ابن هشام وغيرها «3» وتكلّم في صحتها كثير من النّقاد والمحدّثين رواية ودراية، قد جاء في «سيرة النبيّ» للعلامة شبلي النّعمانيّ أنّ جميع روايات هذه القصة مرسلة «4» ، فإنّ كلّ من
(1) سيرة ابن هشام: ج 1، ص 179.
(2)
على الأصح.
(3)
[أخرجه الترمذي في أبواب المناقب، باب ما جاء في بدء نبوة النبيّ صلى الله عليه وسلم برقم (3620) وقال: حسن غريب، وابن أبي شيبة في مصنّفه برقم (18390) ، وأبو نعيم في «الدلائل» (51- 54)، والطبري في تاريخه:(2/ 277- 279) ، والبيهقي في «دلائل النبوّة» (1/ 307- 312)، والحاكم في «المستدرك» (2/ 615) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرّجاه، وقال الذهبيّ: أظنّه موضوعا بعضه باطل، ونقد ابن كثير لهذا الحديث في «السيرة النبوية» له (1/ 243) وقد تكلّم عليه الذهبيّ في «السيرة النبوية» له (ص: 28) وقال: حديث منكر جدا.
(4)
لا بدّ هنا من الإشارة إلى أنّ مراسيل الصحابة- رضي الله عنهم حجة عند أكثر المحدّثين والفقهاء [والمرسل في اصطلاح المحدّثين: هو ما سقط من آخر إسناده من بعد التابعيّ، -
روى هذه القصة من الصحابة، إنّما سمعها من غيره ولم يسمعه من النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقد قال الترمذيّ بعد ما روى هذا الحديث:«حديث حسن غريب لا نعرفه إلّا من هذا الوجه» ومن رواته عبد الرحمن بن غزوان، وقد تكلّم فيه أكثر أهل الصناعة، فقال العلامة الذهبيّ: كان يروي الأحاديث المنكرة، وأشدّها نكارة الرواية التي جاء فيها قصّة «بحيرى» .
وممّا يقدح في هذا الحديث أنّه قد جاء فيه أنّ أبا طالب أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بلال، قال العلامة ابن القيّم في «زاد المعاد» (1/ 18) :«ووقع في كتاب الترمذيّ وغيره أنّه بعث معه بلالا، وأنّه من الغلط الواضح، فإنّ بلالا إذ ذاك لعلّه لم يكن موجودا، وإن كان فلم يكن مع عمّه ولا مع أبي بكر» (انتهى كلام العلامة النعماني)«1» .
ونختم هذا النقد بما قاله الذهبيّ في قصّة «بحيرى» :
«وهو حديث منكر جدّا، وأين كان أبو بكر، كان ابن عشر سنين، فإنه أصغر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين ونصف، وأين كان بلال في هذا الوقت؟ فإن أبا بكر لم يشتره إلا بعد المبعث ولم يكن ولد بعد، وأيضا فإذا كان عليه
- وصورته أن يقول التابعيّ- سواء كان صغيرا أو كبيرا-: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو فعل كذا، أو فعل بحضرته كذا، وهذه صورة المرسل عند المحدّثين، وقد اختلف العلماء في الاحتجاج به اختلافا كثيرا، من أراد التوسّع فيه فليرجع إلى كتاب «منهج النقد في علوم الحديث» لأستاذنا الدكتور نور الدين عتر، ص: 371- 372، طبع دار الفكر بدمشق] .
(1)
قال ابن سيد الناس المؤلّف المشهور في السيرة، بعد ما عدّل رواة هذا الحديث «ومع ذلك ففي متنه نكارة وهي إرسال أبي بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم بلالا، كيف وأبو بكر حينئذ لم يبلغ العشر سنين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أسنّ من أبي بكر ما يزيد من عامين، وكانت للنبي صلى الله عليه وسلم تسعة أعوام على ما قاله أبو جعفر محمد بن جرير الطبري وغيره وأيضا فإن بلالا لم ينتقل لأبي بكر إلا بعد ذلك بأكثر من ثلاثين عاما إلخ (عيون الأثر: ج 1، ص 43) » .