الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران: 144] .
يقول من شهد هذا الموقف: والله كأنّ الناس لم يعلموا أنّ هذه الآية نزلت حتّى تلاها أبو بكر يومئذ، وأخذها الناس عن أبي بكر، فإنّما هي في أفواههم، ويقول عمر: والله ما هو إلّا أن سمعت أبا بكر تلاها، فعقرت «1» حتّى وقعت إلى الأرض، ما تحملني رجلاي، وعرفت أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات «2» .
بيعة أبي بكر بالخلافة:
وبايع المسلمون أبا بكر بالخلافة، في سقيفة «3» بني ساعدة «4» ، حتّى لا يجد الشيطان سبيلا إلى تفريق كلمتهم، وتمزيق شملهم، ولا تلعب الأهواء بقلوبهم، وليفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الدّنيا وكلمة المسلمين واحدة، وشملهم منتظم، وعليهم أمير يتولّى أمورهم، ومنها تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه.
كيف ودّع المسلمون رسولهم وصلّوا عليه
؟
وهدأ النّاس، وانجلى عنهم ما كانوا فيه من حيرة وغمرة، وتشاغلوا بما علّمهم رسولهم من عملهم لمن فارق الدّنيا.
(1) أي: تحيرت ودهشت.
(2)
سيرة ابن هشام: ج 2، ص 655- 656، ورواه البخاري مطولا [في كتاب المغازي] باب «مرض النّبي صلى الله عليه وسلم ووفاته» [برقم (4452) و (4453) ، من حديث ابن عباس رضي الله عنها] .
(3)
[السّقيفة: صفّة لها سقف] .
(4)
[أخرجه البخاري في كتاب المظالم، باب ما جاء في السّقائف، برقم (2462) ] .
ولمّا فرغ من غسله وتكفينه صلى الله عليه وسلم وقد تولّى ذلك أهل بيته، وضع سريره في بيته، وحدّثهم أبو بكر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«ما قبض نبيّ إلّا دفن حيث قبض» فرفع فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفّي فيه، وحفر له تحته، وتولّى ذلك أبو طلحة الأنصاريّ.
ثمّ دخلوا يصلّون عليه أرسالا، دخل الرجال حتّى إذا فرغوا، أدخل النّساء، حتّى إذا فرغ النساء، أدخل الصّبيان، ولم يؤمّ الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد «1» .
وكان ذلك يوم الثلاثاء «2» .
وكان يوما حزينا في المدينة، وأذّن بلال بالفجر، فلمّا ذكر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بكى وانتحب، فزاد المسلمين حزنا، وقد اعتادوا أن يسمعوا هذا الأذان ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم.
تقول أمّ سلمة- أمّ المؤمنين-: يا لها من مصيبة، ما أصبنا بعدها بمصيبة إلّا هانت، إذا ذكرنا مصيبتنا به صلى الله عليه وسلم «3» .
وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم نفسه: «يا أيّها الناس، أيّما أحد من الناس (أو من المؤمنين) أصيب بمصيبة فليتعزّ بمصيبته بي، عن المصيبة الّتي تصيبه بغيره،
(1) سيرة ابن هشام: ج 2، ص 663 [وأخرجه الترمذي في الشمائل، باب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم (376) ، وابن ماجه في أبواب إقامة الصلوات، باب ما جاء في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه، برقم (1234) ، والطبراني في الكبير برقم (6367) من حديث سالم بن عبيد] .
(2)
طبقات ابن سعد: نقلا عن «السيرة النبوية لابن كثير، ج 4، ص 507 رواية عن الأوزاعي، وابن جريح وأبي جعفر.
(3)
السيرة النبوية: لابن كثير، ج 4، ص 538- 549.
فإنّ أحدا من أمّتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشدّ عليه من مصيبتي» «1» .
وقالت فاطمة- رضي الله عنها حين دفن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا «2» على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب «3» ؟!! ولكن مع تعلّقهم به لم ينح عليه، فقد نهى عن النّياحة أشدّ النهي.
(1) السيرة النبوية: لابن كثير، ج 4، ص 549، نقلا عن ابن ماجه [أخرجه في الجنائز، باب ما جاء في الصبر على المصيبة، برقم (1599) من حديث عائشة رضي الله عنها] .
(2)
[يحثو التراب: أي يرمي به عن نفسه] .
(3)
أخرجه البخاري، [في كتاب المغازي] ، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (4462) ، والترمذي في «الشمائل» باب في وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم (379) ، وابن ماجه في الجنائز، باب ذكر وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم، برقم (1629) ، وأحمد في المسند (3/ 141) وغيرهم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه] .