الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى، ثمّ قام، فلمّا ولّى ناداه أبو طالب فقال:
أقبل يابن أخي! فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اذهب يابن أخي فقل ما أحببت، فو الله لا أسلمك لشيء أبدا «1» .
تعذيب قريش للمسلمين:
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله، ويئست قريش منه ومن أبي طالب، ونزل غضبهم على من كان أسلم من أبناء قبائلهم، وليس لهم من يمنعهم.
فوثبت كلّ قبيلة على من فيهم من المسلمين، فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب، والجوع، والعطش، وبرمضاء مكة إذا اشتدّ الحرّ.
وكان بلال الحبشيّ- وقد أسلم- يخرجه مولاه أميّة بن خلف، إذا حميت الظهيرة، فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة، ثمّ يأمر بالصخرة العظيمة، فتوضع على صدره، ثمّ يقول له: لا والله لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد، وتعبد اللّات والعزّى، فيقول- وهو في ذلك البلاء-: أحد، أحد «2» .
فمرّ به أبو بكر الصديق- رضي الله عنه فأعطى أمية غلاما أسود أجلد منه، وأقوى، وأخذ منه بلالا وأعتقه «3» .
(1) سيرة ابن هشام: ج 1، ص 265- 266 [وأخرج هذه القصة البيهقي في دلائل النبوة (2/ 187) وأبو يعلى في مسنده (12/ 176) ، والحاكم في المستدرك (3/ 577) بسياق آخر عن عقيل بن أبي طالب، وقال الهيثمي في المجمع (6/ 15) : «رواه أبو يعلى باختصار يسير من أوّله، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح» ] .
(2)
سيرة ابن هشام: ج 1؛ ص 317- 318.
(3)
[وقد أخرج هذه القصّة أبو نعيم في «الحلية» (1/ 149) ، وابن سعد في «الطبقات» -
وكانت بنو مخزوم يخرجون بعمّار بن ياسر وبأبيه وأمّه- وكانوا أهل بيت إسلام- إذا حميت الظهيرة، يعذّبونهم برمضاء «1» مكة، فيمرّ بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول:«صبرا آل ياسر! موعدكم الجنة» فأمّا أمّه فقتلوها، وهي تأبى إلّا الإسلام «2» .
وكان مصعب بن عمير فتى مكة، شبابا وجمالا وتيها، وكان أبواه يحبانه، وكانت أمّه غنية كثيرة المال، تكسوه أحسن ما يكون من الثياب وأرقّه، وكان أعطر أهل مكة، يلبس الحضرميّ من النعال، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكره ويقول:«ما رأيت بمكة أحسن لمّة «3» ولا أرقّ حلّة، ولا أنعم نعمة، من مصعب بن عمير» .
وبلغ مصعب بن عمير أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإسلام في دار أرقم بن أبي الأرقم، فدخل عليه، فأسلم، وصدق به، فخرج، فكتم إسلامه خوفا من أمّه وقومه، فكان يختلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سرّا، فبصر به عثمان بن طلحة يصلّي فأخبر أمّه وقومه، فأخذوه وحبسوه، فلم يزل محبوسا حتى خرج إلى أرض الحبشة في الهجرة الأولى، ثمّ رجع مع المسلمين، حين رجعوا، فرجع متغير الحال- قد حرج- يعني غلظ- فكفّت أمّه عنه من العذل «4» .
- (3/ 166) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما] .
(1)
[الرّمضاء: شدّة الحرّ، ويقال أيضا للحجارة التي حميت من شدّة وقع الشمس] .
(2)
سيرة ابن هشام: ج 1؛ ص: 319- 320 [وأخرج هذه القصة الطبراني في الأوسط من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقال الهيثمي في المجمع (9/ 293) : رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح غير إبراهيم بن عبد العزيز المقوّم، وهو ثقة] .
(3)
[اللّمّة: شعر الرأس المجاوز شحمة الأذن، سمّيت بذلك لأنّها ألمّت بالمنكبين، فإذا زادت فهي الجمّة ( «النهاية في غريب الحديث» ج: 3، ص: 273) ] .
(4)
طبقات ابن سعد: ج 3، ص 82، والاستيعاب: ج 1، ص 288.
وكان بعض المسلمين قد دخل في جوار بعض المشركين، من أشراف قريش ورؤسائهم، وكانوا يمنعونهم ويحمونهم.
وكان عثمان بن مظعون قد دخل في جوار الوليد بن المغيرة، ثمّ أبت غيرته ذلك، فردّ عليه جواره، وكان وفيا كريم الجوار، وقال: قد أحببت ألا أستجير بغير الله، ودار بينه وبين أحد المشركين حديث أغضب المشرك، فقام إليه ولطم عينه، فخضرها والوليد بن المغيرة قريب يرى ذلك، فقال: أما والله يا بن أخي! إن كانت عينك عمّا أصابها لغنية، لقد كنت في ذمّة منيعة، قال عثمان: بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله، وإنّي لفي جوار من هو أعزّ منك وأقدر، يا أبا عبد شمس «1» .
ولمّا أسلم عثمان بن عفانّ- رضي الله عنه أخذه عمّه الحكم بن أبي العاص بن أميّة، فأوثقه رباطا وقال: أترغب عن ملّة آبائك إلى دين محدث؟
والله! لا أحلّك أبدا حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين، فقال عثمان: والله لا أدعه أبدا ولا أفارقه، فلمّا رأى الحكم صلابته في دينه تركه «2» .
ويقول خبّاب بن الأرتّ: لقد رأيتني يوما أخذوني فأوقدوا لي نارا ثم سلقوني فيها، ثم وضع رجل رجله على صدري، فما اتقيت الأرض- أو قال برد الأرض- إلا بظهري، ثم كشف عن ظهره، فإذا هو قد برص «3» .
(1) سيرة ابن هشام، ج 1؛ ص 370- 371 [وقد أخرج هذه القصة أبو نعيم في «الحلية» (1/ 103- 104) والبيهقي في «الدلائل» (2/ 292) والطبراني في «المعجم الكبير» (9/ 21- 24) برقم (8316) ] .
(2)
طبقات ابن سعد: ج 3، ص 37.
(3)
المصدر السابق: ج 3، ص 117.