الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في المدينة
كيف استقبلت المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم
؟
سمع الأنصار بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكّة، فكانوا يخرجون كلّ يوم إذا صلّوا الصبح إلى ظاهر المدينة، ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم فما يبرحون حتّى تغلبهم الشمس على الظّلال، فيدخلون بيوتهم، وكان الزمن زمن صيف وحرّ.
وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل الناس البيوت، وكان اليهود يرون ما يصنع الأنصار، وكان أول من رآه رجل من اليهود، فصرخ بأعلى صوته، وأخبر الأنصار بقدوم رسول الله، فخرجوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في ظلّ نخلة، ومعه أبو بكر- رضي الله عنه في مثل سنّه- وأكثرهم لم يكن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك، وازدحم الناس، ما يميّزون بينه وبين أبي بكر، وفطن لذلك أبو بكر، فقام يظلّه بردائه فانكشف للناس الأمر «1» .
واستقبلهما زهاء خمسمئة من الأنصار، حتى انتهوا إليهما فقالت الأنصار: انطلقا آمنين مطاعين.
أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه بين أظهرهم، فخرج أهل المدينة حتّى إنّ العواتق لفوق البيوت يتراءينه يقلن: أيّهم هو؟ أيّهم هو؟، يقول أنس
(1) ابن هشام: ج 1، ص 492 [حديث الهجرة: أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبيّ صلى الله عليه وسلم، برقم (3906) ] .
- رضي الله عنه: فما رأينا منظرا شبيها به «1» .
وخرج الناس حين قدما المدينة في الطّرق وعلى البيوت والغلمان والخدم يقولون: الله أكبر! جاء رسول الله، الله أكبر! جاء محمّد، الله أكبر! جاء محمد، الله أكبر! جاء رسول الله «2» .
ويقول البراء بن عازب- وكان حديث السّنّ-: قدم النبيّ صلى الله عليه وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعل الإماء يقلن: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم «3»
وكبّر المسلمون فرحا بقدومه، وما فرحوا لشيء في حياتهم كفرحهم بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكانت المدينة باسمة الثّغر، ترفل في حلل الفرح والفخر، وكانت بنات الأنصار ينشدن «4» في سرور ونشوة:[من مجزوء الرمل]
(1)[أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار، باب مقدم النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة، برقم (3932) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ابتناء مسجد النبيّ صلى الله عليه وسلم، برقم (524) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب بناء المساجد، برقم (453) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه] .
(2)
[أخرجه البخاري في مناقب الصحابة، باب مناقب المهاجرين، برقم (3652) ] .
(3)
رواه البخاري [في كتاب مناقب الأنصار] ، باب مقدم النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة [برقم (3652) ] .
(4)
ابن كثير ج/ 2، ص/ 269، رواه البيهقي بسنده عن ابن عباس وعائشة، روى ابن القيم البيتين الأولين عند عودة النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك إلى المدينة، وخروج الناس لتلقيه، قال:«وبعض الرواة يتوهم وهما ظاهريا، لأن ثنيات الوداع إنما هي من ناحية الشام لا يراها القادم من مكة إلى المدينة، ولا يمر بها إلا إذا توجه إلى الشام» (زاد المعاد ج/ 2 ص/ 101) . ولكنّ المشهور المستفيض أنّ هذا النشيد إنما كان عند مقدمه من مكة إلى المدينة، وعلى ذلك تكاد تتفق كتب السيرة، وفي الأبيات شواهد داخلية على أنها كانت عند مقدمه الأول-