الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خضراء، طولها شهر، وعرضها عشر» «1» .
ويدلّ على عمرانها وكثرة نفوسها أنّ عمرو بن العاص لمّا تمّ له فتح مصر سنة 20 هـ (640 م) أحصى من تستحقّ عليه الجزية يومئذ، فبلغوا أكثر من ستة ملايين «2» ، وكان الرومان يبلغون مئة ألف.
وقد جاء في كتاب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه:
«أمّا بعد، فإنّي فتحت مدينة لا أصف ما فيها غير أنّي أحصيت فيها أربعة آلاف متنة «3» ، بأربعة آلاف حمام، وأربعين ألف يهوديّ، وأربعمئة ملهى للملوك» «4» .
النجاشيّ:
إنّ هذه البلاد لم تزل تسمّى من قديم الزمان بالحبشة) Abyssinia (أو أثيوبيا،) Ethiopia (وهي بلاد من إفريقية الشرقية، واقعة في الجنوب الغربيّ من البحر الأحمر ولا يمكن تقدير حدودها في العصر الذي نتحدّث عنه.
وحكومتها من أقدم الحكومات في العالم، وتقول الأخبار اليهوديّة أن ملكة «سبأ» كانت تسكن في الحبشة، وأنّ ذرّية سليمان ما زالت تحكم الحبشة، وقد بدأ اليهود يسكنون في الحبشة بعد خراب هيكل سليمان،
(1) النجوم الزاهرة: لابن تغري بردي، ج 1، ص 32.
(2)
دائرة معارف القرن العشرين: للأستاذ محمد فريد وجدي، راجع مادة «مصر» والمؤلف يشك في صحة هذا العدد في ضوء تجارب تضخم العمران في البلاد المختلفة، فإن عدد النفوس في مصر في عصرنا لا يزيد على أربعين مليونا.
(3)
هو المكان الصلب المرتفع، كما في القاموس.
(4)
حسن المحاضرة: للسيوطي.
وبدأت النصرانيّة تنتشر في الحبشة منذ القرن الرابع الميلاديّ، ولمّا بدأ ملك اليمن يضطهد المسيحيّين في بلاده طلب جستينين الأول من ملك الحبشة أن يساعد المسيحيّين في اليمن، فاستولى على اليمن في سنة 525 م، ودامت السلطة الحبشية على اليمن العربية نحو خمسين سنة (وفي هذه الفترة هاجم ملك اليمن من قبل الحبشة أبرهة مكّة ليخرّب البيت، ووقعت حادثة الفيل) .
وكانت عاصمة الحبشة) Axum (وكانت حكومة مستقلة لا تخضع لحكومة أجنبية، ولا تؤدّي إليها الخراج، ولا تتصل بالإمبراطورية البيزنطيّة إلا عن طريق الصداقة والمشاركة في ديانة واحدة (المسيحية) يدلّ على ذلك دلالة واضحة أنّ الإمبراطور البيزنطيّ «جستينين» عيّن في منتصف القرن الثالث المسيحيّ رجلا اسمه «جوليان) Julian ( «سفيرا في بلاط الحبشة «1» .
ويقول) De Lacy OLeary (في كتابه «العرب قبل محمد» :
وكان ملك الحبشة يلقّب دائما ب «النجاشيّ.Nagusa Nagashi «
وقد اضطربت الأقوال والروايات في تعيين هذا النجاشيّ الذي كتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام، وممّا لا شكّ فيه أنّ هنالك شخصيّتين متمايزتين، الأول هو الذي هاجر إليه المسلمون من مكّة، وكان
(1)
A.H.M.Jones Elizabeth Monros:A History of Abyssinia) Oxford، 5391 (P.36
) Arabia Before Mohammad () London ،7291 (P. 021 (2)
فيهم جعفر بن أبي طالب، وذلك سنة خمس من النبوّة، ويستبعد أنّه صلى الله عليه وسلم كتب إليه كتابا يدعوه في ذلك الحين، فإنّ الأوضاع لم تكن تسمح بذلك، ولم يكن قد آن أوانه بعد، ولا نعرف أنّه صلى الله عليه وسلم كتب إلى ملك من الملوك قبل الهجرة يدعوه إلى الإسلام، وغاية الأمر أنّه طلب منه أن يؤوي المسلمين الذين قست عليهم قريش وابن خالدون أنه كان من الأقباط، والمقريزيّ سمّاه «المقوقس الروميّ» فلما هاجم الفرس مصر فرّ حاكم الإسكندرية من قبل البيزنطيين، واسمه) John the Almoner (من الإسكندرية إلى قبرص ومات هناك، فعيّن هرقل مكانه نائبا آخر اسمه «جورج» ، ولعلّه هو الذي يسمّيه العرب ب «جريج» وولّاه رئاسة الكنيسة الملكانية، وقد ذكر بعض المؤرّخين أنّ تعيينه كان في سنة 621 م.
ويرجّح «ألفرد بتلر» مؤلّف كتاب «فتح العرب لمصر» أنّ العرب كانوا يعتقدون أنّ الحاكم الذي كان يحكم مصر من قبل الدولة البيزنطية بعد انتصارها على إيران، كان يلقّب ب «المقوقس» وكان رئيس الكنيسة وحاكم مصر في وقت واحد، فأطلقوا على جورج الذي كان نائبا عن الدولة بهذا اللقب، ويرجّح أن «المقوقس» لقب لا علم، وقد ردّ هذا الاسم إلى أصول قبطية، ويمكن أن أسقفا قبطيا تسلّم زمام الحكم، ورئاسة الكنيسة عند استيلاء الفرس على مصر، وقد انسحبت القوات الإيرانية عن مصر في سنة 627 م، ولكن لم توقّع وثيقة الصلح إلّا في سنة 628 م، فيمكن أنّ كتاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس وصل إليه في هذه الفترة، حين كان الحاكم المصريّ شبه مستقل «1» ولذلك خاطبه النّبيّ صلى الله عليه وسلم ب «عظيم القبط» .
وقد كانت مصر من أغنى ولايات الدولة البيزنطيّة، وأكثرها خصوبة وإنتاجا وسكّانا، وكانت تموّن العاصمة بالمواد الغذائية، وقد وصفها فاتح مصر عمرو بن العاص (م 63 هـ) وقد دخلها بعد أن مضى على كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس 14 عاما، في كتابه الذي كتبه إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه بقوله: «مصر تربة غبراء وشجرة
Appendix -C -P. 805 -045 (1) راجع «فتح العرب لمصر» لألفرد بتلر، وقد ورد اسم هذا الحاكم في بعض الكتب الجزكيروس أو قيرس.
خضراء، طولها شهر، وعرضها عشر» «1» .
ويدلّ على عمرانها وكثرة نفوسها أنّ عمرو بن العاص لمّا تمّ له فتح مصر سنة 20 هـ (640 م) أحصى من تستحقّ عليه الجزية يومئذ، فبلغوا أكثر من ستة ملايين «2» ، وكان الرومان يبلغون مئة ألف.
وقد جاء في كتاب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه:
«أمّا بعد، فإنّي فتحت مدينة لا أصف ما فيها غير أنّي أحصيت فيها أربعة آلاف متنة «3» ، بأربعة آلاف حمام، وأربعين ألف يهوديّ، وأربعمئة ملهى للملوك» «4» .
النجاشيّ:
إنّ هذه البلاد لم تزل تسمّى من قديم الزمان بالحبشة) Abyssinia (أو أثيوبيا،) Ethiopia (وهي بلاد من إفريقية الشرقية، واقعة في الجنوب الغربيّ من البحر الأحمر ولا يمكن تقدير حدودها في العصر الذي نتحدّث عنه.
وحكومتها من أقدم الحكومات في العالم، وتقول الأخبار اليهوديّة أن ملكة «سبأ» كانت تسكن في الحبشة، وأنّ ذرّية سليمان ما زالت تحكم الحبشة، وقد بدأ اليهود يسكنون في الحبشة بعد خراب هيكل سليمان،
(1) النجوم الزاهرة: لابن تغري بردي، ج 1، ص 32.
(2)
دائرة معارف القرن العشرين: للأستاذ محمد فريد وجدي، راجع مادة «مصر» والمؤلف يشك في صحة هذا العدد في ضوء تجارب تضخم العمران في البلاد المختلفة، فإن عدد النفوس في مصر في عصرنا لا يزيد على أربعين مليونا.
(3)
هو المكان الصلب المرتفع، كما في القاموس.
(4)
حسن المحاضرة: للسيوطي.
وبدأت النصرانيّة تنتشر في الحبشة منذ القرن الرابع الميلاديّ، ولمّا بدأ ملك اليمن يضطهد المسيحيّين في بلاده طلب جستينين الأول من ملك الحبشة أن يساعد المسيحيّين في اليمن، فاستولى على اليمن في سنة 525 م، ودامت السلطة الحبشية على اليمن العربية نحو خمسين سنة (وفي هذه الفترة هاجم ملك اليمن من قبل الحبشة أبرهة مكّة ليخرّب البيت، ووقعت حادثة الفيل) .
وكانت عاصمة الحبشة) Axum (وكانت حكومة مستقلة لا تخضع لحكومة أجنبية، ولا تؤدّي إليها الخراج، ولا تتصل بالإمبراطورية البيزنطيّة إلا عن طريق الصداقة والمشاركة في ديانة واحدة (المسيحية) يدلّ على ذلك دلالة واضحة أنّ الإمبراطور البيزنطيّ «جستينين» عيّن في منتصف القرن الثالث المسيحيّ رجلا اسمه «جوليان) Julian ( «سفيرا في بلاط الحبشة «1» .
ويقول) De Lacy OLeary (في كتابه «العرب قبل محمد» :
وكان ملك الحبشة يلقّب دائما ب «النجاشيّ.Nagusa Nagashi «
وقد اضطربت الأقوال والروايات في تعيين هذا النجاشيّ الذي كتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام، وممّا لا شكّ فيه أنّ هنالك شخصيّتين متمايزتين، الأول هو الذي هاجر إليه المسلمون من مكّة، وكان
(1)
63.
P (1935 ،drofxO) ainissybA fo yrotsiH A:sornoM htebazilE senoJ.M.H.A
) Arabia Before Mohammad () London ،7291 (P. 021 (2)
فيهم جعفر بن أبي طالب، وذلك سنة خمس من النبوّة، ويستبعد أنّه صلى الله عليه وسلم كتب إليه كتابا يدعوه في ذلك الحين، فإنّ الأوضاع لم تكن تسمح بذلك، ولم يكن قد آن أوانه بعد، ولا نعرف أنّه صلى الله عليه وسلم كتب إلى ملك من الملوك قبل الهجرة يدعوه إلى الإسلام، وغاية الأمر أنّه طلب منه أن يؤوي المسلمين الذين قست عليهم قريش
واضطهدوهم.
ويستأنس من الأخبار التي رواها ابن هشام وغيره في كتب السيرة أنّه دخل الإيمان في قلبه، وآمن بأنّ عيسى ابن مريم- عليه الصلاة والسلام هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم.
أمّا النّجاشيّ الذي كتب له النّبيّ صلى الله عليه وسلم كتابا يدعوه إلى الإسلام، فهو كما مال إليه الحافظ ابن كثير هو النجاشيّ الذي ولّي بعد المسلم صاحب جعفر بن أبي طالب، يقول ابن كثير:«وذلك حين كتب إلى ملوك الأرض يدعوهم إلى الله قبل الفتح» ، ونرجّح أنه هو الذي أسلم ونعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين، وصلى عليه، وقد ذكر الأبيّ عن الواقديّ وغيره من أهل السير:
«أنّه النجاشيّ الذي صلّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في رجب سنة تسع منصرف تبوك» «1» .
وبذلك يحصل التوفيق بين الروايات المختلفة، وتدلّ عليه القرائن والدراية، والله أعلم.
كيف تلقّى هؤلاء الملوك هذه الرسائل الكريمة؟
فأمّا «هرقل» و «النّجاشي» و «المقوقس» فتأدّبوا، ورقّوا في جوابهم،
(1)[أخرجه مسلم في كتاب الجهاد، باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الكفار يدعوهم إلى الإسلام، برقم (1774) ، والترمذي في أبواب الاستئذان، باب مكاتبة المشركين، برقم (2716) من حديث أنس رضي الله عنه] .
وأكرم «النجاشيّ» و «المقوقس» رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرسل «المقوقس» هدايا منها جاريتان كانت إحداهما مارية أمّ إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأمّا كسرى أبرويز، فلمّا قرىء عليه الكتاب مزّقه، وقال: يكتب إليّ هذا وهو عبدي؟! فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «مزّق الله ملكه» «1» .
وأمر كسرى باذان وهو حاكمه على اليمن بإحضاره، فأرسل بابويه يقول له: إن ملك الملوك كسرى قد كتب إلى الملك باذان يأمره أن يبعث إليك من يأتيه بك، وقد بعثني إليك لتنطلق معي، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنّ الله قد سلّط على كسرى ابنه شيرويه فقتله «2» .
وقد تحقّق ما أنبأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلّ دقّة، فقد استولى على عرشه ابنه «قباذ» الملقب ب «شيرويه» وقتل كسرى ذليلا مهانا بإيعاز منه سنة 628 م، وقد تمزّق ملكه بعد وفاته، وأصبح لعبة في أيدي أبناء الأسرة الحاكمة، فلم يعش «شيرويه» إلا ستة أشهر، وتوالى على عرشه في مدّة أربع سنوات عشرة ملوك، واضطرب حبل الدولة إلى أن اجتمع الناس على «يزدجرد» وتوجوه، وهو آخر ملوك بني ساسان، وهو الذي واجه الزحف الإسلاميّ الذي أدى إلى انقراض الدولة الساسانية التي دامت وازدهرت أكثر من أربعة قرون انقراضا كلّيا، وكان ذلك في سنة 637 م، وهكذا تحقّقت هذه النبوءة في ظرف ثماني سنين «3» ، ولم تعد بعد ذلك الإمبراطورية الساسانية،
(1) أخرجه البخاري [في كتاب المغازي] ، باب كتاب النّبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر. [برقم (4424) ، وأحمد في المسند (1/ 243- 305) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما] .
(2)
تاريخ الطبري: ج 3، ص 90- 91.
(3)
ملخّصا من كتاب «إيران في عهد الساسانيين» ، الباب التاسع، «عهد الدولة الساسانية الأخير الزاهر» ، ص 593، والباب العاشر «سقوط المملكة» .