الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنّما هي التسبيح والتكبير، وقراءة القرآن» «1» .
ويقول أنس بن مالك- رضي الله عنه: «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم رحيما، وكان لا يأتيه أحد إلّا وعده، وأنجز له، إن كان عنده، وأقيمت الصلاة، وجاء أعرابيّ، فأخذ ثوبه فقال: إنّما بقي من حاجتي يسيرة، وأخاف أن أنساها، فقام معه، حتّى فرغ من حاجته، ثمّ أقبل فصلّى» .
ومن أمثلة قوّة احتماله، وسعة صدره، وعظم صبره، ما شهد به خادمه أنس بن مالك- رضي الله عنه وقد كان حديث السنّ، قال: خدمت النّبيّ صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي: أفّ ولا لم صنعت، ولا ألا صنعت! «2» .
وروى سواد بن عمر، قال: أتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأنا متخلّق، فقال:«ورس ورس، حطّ حطّ» ، وغشيني بقضيب في يده ببطني، فأوجعني، فقلت:
القصاص يا رسول الله، فكشف لي عن بطنه، فأبيت القصاص «3» .
الحفاظ على أصالة الدين والغيرة على روحه وتعاليمه:
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على رفقه ولين كنفه وقوّة احتماله وتغاضيه عن سقطات الناس وزلّاتهم- على حدّ لا يتصوّر فوقه- شديد الحفاظ على أصالة
(1) أخرجه مسلم [في كتاب المساجد] ، باب تحريم الكلام في الصلاة، [برقم (537) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب تشميت العاطس في الصلاة، برقم (930) ، والنسائي في كتاب السهو، باب: الكلام في الصلاة، برقم (1219) ] .
(2)
[أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب حسن الخلق والسخاء، برقم (6038) ، ومسلم في كتاب الفضائل، باب حسن خلقه صلى الله عليه وسلم، برقم (2309) ، وأبو داود في كتاب الأدب، باب في الحلم وأخلاقه النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (4773) ، والترمذي في أبواب البر والصلة، باب ما جاء في خلق النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (2015) ] .
(3)
كتاب الشفاء [الباب الثاني، الفصل السابع، وج 1/ ص 444، طبع مكتبة الفارابي، بدمشق، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنّف (45/ 50) برقم (17677) ] .
الدين، شديد الغيرة على روحه وتعاليمه وعلى عقيدة التوحيد، شديد الحذر مما يعرّض أمّته لخطر التورّط في الأوهام والمغالاة، وتقديس الأشخاص، والعودة إلى الجاهليّة، لا تأخذه في ذلك هوادة، ولا تمنعه من الإنكار عليه مصالح قياديّة أو اعتبارات سياسيّة، وكان في ذلك يختلف عن قادة الجماعات والزعماء السياسيين اختلافا واضحا.
ومن أوضح أمثلته ما وقع عند وفاة ابنه سيّدنا إبراهيم «1» ، فقد كسفت الشمس يوم موته، فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم، فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله- عز وجل لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبّروا، وصلّوا وتصدّقوا» «2» .
ولو كان مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المناسبة الحزينة العاطفيّة أيّ داع من الدعاة أو زعيم من الزعماء، أو قائد دعوة وحركة وجماعة كان أقلّ مواقفه من هذا التعليق أو التفسير للحادث السكوت، لأنّه كان في صالح دعوته وحركته، ولأنّه يضفي على شخصه وأسرته ما يستطيع أن يستعين به في بسط نفوذه على قلوب النّاس وعقولهم، وتقوية ثقتهم به، وإعجابهم له، وذلك شيء يتمناه قادة الشعوب والجماعات، ومنشئو الدّول والحكومات، ويعملون له ألف حيلة، وقد هيّأ الله له ذلك من طريق الغيب، فلا عليه إن سكت.
ولكنّه صلى الله عليه وسلم لم يحتمل سماع هذا الكلام، ولم يسكت عليه لدقيقة، بل بادر إلى إزالة هذا الوهم الذي يجرّ إلى إفساد العقيدة، وربط الحوادث الكونيّة، وسنن الله تعالى في خلقه بما يقع لأفراد البشر، ولو كانوا من الأنبياء
(1) كان ذلك في العام العاشر من الهجرة، وكان ابن سنة ونصف.
(2)
حديث متفق عليه. [انظر تخريجه في الفصل الخامس، ص 555] .
أو أولادهم وأفراد أسرهم من ولادة وموت وصحّة ومرض، وذلك مدخل قديم، دخل منه الشّرك وتقديس العباد في الأمم السابقة، فنفى هذا الأسلوب من التفكير الجاهليّ، وأوضح الحقيقة، وشرع لذلك صلاة مخصوصة- هي صلاة الخسوف- لتوثيق الصلة بالله تعالى وعبادته واقتلاع هذه الجرثومة الجاهليّة من النفوس والعقول.
وكذلك لم يسعه السكوت حين قال رجل: ما شاء الله وشئت، فقال صلى الله عليه وسلم:«أجعلتني لله ندّا» ، وقال رجل- وهو يخطب-:«من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى» ، فقال:«بئس خطيب القوم أنت» «1» .
وفي هذه المواقف يتجلّى «الموقف النبويّ» وما يمتاز به الأنبياء عن القادة والزعماء وعظاماء البشر، من تجرّد عن الأنانيّة، واستغلال الحوادث وضعف العقول في صالحهم، والسماح للمدح والإطراء «2» ، ولو تخطّى الحدود، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إمام الأنبياء في ذلك والأسوة الكاملة، وقد قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنّما أنا عبده، فقولوا:
عبد الله ورسوله» «3» .
(1)[أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، برقم (870) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب الرجل يخطب على قومه، برقم (1099) ، والنسائي في كتاب النكاح، باب ما يكره من الخطبة، برقم (3281) من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه] .
(2)
[الإطراء: مجاوزة الحدّ في المدح والكذب فيه] .
(3)
[أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها، برقم (3445) ، والترمذي في «الشمائل» باب تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم (328) ، والدارمي في كتاب الرقاق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تطروني» برقم (2682) ] .