الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم تزل تتعرّف من الله الزيادة والخير، حتى مضت سنتان في بني سعد، وفصلته، وكان يشبّ شبابا لا يشبه الغلمان، وقدمت به صلى الله عليه وسلم على أمّه، وطلبت أن تتركه عندها بعض الوقت، فردّته إليها «1» .
وجاء ملكان وهو في بني سعد، فشقّا بطنه، واستخرجا من قلبه علقة سوداء، فطرحاها ثمّ غسلا قلبه، حتى أنقياه وردّاه كما كان «2» .
ورعى رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنم مع إخوته من الرضاعة، ونشأ على البساطة والفطرة، وحياة البادية السامية، واللغة الفصيحة التي اشتهر بها بنو سعد بن بكر، وكان يقول لأصحابه فيما بعد:«أنا أعربكم، أنا قرشيّ، واسترضعت في بني سعد بن بكر» «3» .
وفاة عبد الله وآمنة وعبد المطّلب وكفالة أبي طالب:
وقد تحقّق أنّ أبا رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عبد المطلب توفي قبل ولادته صلى الله عليه وسلم، وكان قافلا من الشام، فمرض في الطريق، ووصل إلى يثرب- مدينة أخواله بني عديّ بن النّجار- ومات هناك في شبابه.
(1) اقرأ حكاية حليمة للرضاعة الطويلة البليغة الحبيبة في سيرة ابن هشام: ج 1، ص 162- 166، وقد روي اختلاف في إسلام مرضعة الرسول صلى الله عليه وسلم حليمة السعدية، وقد رجّح السيوطيّ والحافظ مغلطائي بن قليج إسلامها.
(2)
راجع القصة في كتب السيرة وقد رواها مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك في كتاب الإيمان، باب «الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم» [برقم (261) ، وأحمد في المسند: 3/ 121] . قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الرحيم المعروف بولي الله الدهلوي (م 1176 هـ) في كتابه الفريد «حجة الله البالغة» : «وظهرت الملائكة، فشقت عن قلبه؛ فملأته إيمانا وحكمة، وذلك بين عالم المثال والشهادة فلذلك لم يكن الشق عن القلب إهلاكا، وقد بقي منه أثر المخيط؛ وكذلك كل ما اختلط فيه عالم المثال والشهادة» (حجة الله البالغة: ج 2 ص 205) .
(3)
سيرة ابن هشام: ج 1، ص 167.
واختلف في عمره حينذاك، وقد روى الواقديّ أنّه كان في الخامسة والعشرين (25) من عمره «1» وقد روي أقلّ من ذلك «2» .
ولمّا بلغ صلى الله عليه وسلم ستّ سنين، خرجت به أمّه إلى مدينة يثرب، تزيره خؤولة جدّه فيها، وتزور قبر بعلها الحبيب عبد الله بن عبد المطّلب «3» ، وفي عودتها إلى مكّة أدركها الموت بمكان بين مكة والمدينة، اسمه «الأبواء» ، واجتمعت له وحشة فراق الأمّ الحنون ووحشة الغربة، وذلك الشأن معه من يوم ولد، وفيها من أسرار التربية الإلهية ما لا يعلمها إلا الله.
وعادت به أمّ أيمن بركة الحبشية إلى مكة، وسلمته إلى جدّه عبد المطلب، فكان مع جدّه، وكان به حفيا، يجلسه على فراشه في ظلّ الكعبة ويلاطفه.
فلمّا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني سنين، مات عبد المطلب «4» ، فذاق مرارة اليتم مرة ثانية كانت أشدّ من الأولى، فإنّه صلى الله عليه وسلم لم ير أباه، ولم ينعم بعطفه وحنوّه، فكان الشّعور بفقده شعورا عقليّا تقليديا، وكان الشعور بفقد عبد المطّلب شعورا حسيا تجريبيا، والفرق بينهما واضح.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد عبد المطّلب مع عمّه أبي طالب، وهو أخو عبد الله من أب وأمّ، وكان عبد المطّلب يوصيه به فكان إليه ومعه، وكان أرفق
(1) طبقات ابن سعد؛ «والوفاء» لابن الجوزي.
(2)
وقد رجح ابن سعد في الطبقات بعد ذكر روايات مختلفة وفاة عبد الله قبل ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي بعض كتب السيرة أن وفاته كانت بعد ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم على اختلاف في المدة. (البلاذري. وأنساب الأشراف للطبري) .
(3)
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أمورا في زيارته تلك، نظر إلى دار بني النجار بعد الهجرة، فقال: هنا نزلت بي أمي؛ وأحسنت العوم في بئر بني عدي بن النجار (شرح المواهب اللدنية ج 1، ص 167- 168) .
(4)
سيرة ابن هشام: ق 1؛ ص 168- 169.