الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتحققت به نبوءة أخرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله: «إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده» «1» .
وملّك الله المسلمين إيران، وهدى أهلها للإسلام، فكان منهم أئمة في العلم والدين، وعباقرة الإسلام، وأعلام المسلمين، وصدق عليهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لو كان العلم بالثريا لتناوله أناس من أبناء فارس» «2» .
حوار بين «هرقل» وأبي سفيان:
وقد أراد «هرقل» أن يتثبّت في أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم وبحث عمّن يستخبره في شأنه، وصادف ذلك وجود أبي سفيان في «غزة» فأحضره إليه- وقد جاء في تجارة- وكانت استفساراته استفسارات عاقل مجرّب خبير بتاريخ الديانات وخصائص الأنبياء وسيرهم وشأن الأمم معهم وسنّة الله في أمرهم، وصدقه أبو سفيان شأن العرب الأولين حياء من أن يأثر الناس عليه كذبا، وجرى بينهما الحوار الآتي:
هرقل: كيف نسبه فيكم؟
أبو سفيان: هو فينا ذو نسب.
هرقل: فهل قال هذا القول منكم أحد قطّ قبله؟
أبو سفيان: لا.
(1) قطعة من حديث أخرجه مسلم [في كتاب الفتن، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل..، برقم (2918) ] عن ابن عيينة، ورواه الإمام الشافعي بسنده أيضا، وراجع ابن كثير، ج 3، ص 513.
(2)
أخرجه أحمد في المسند (2/ 296) ، [وابن حبان برقم (7309) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه] .
هرقل: فهل كان من آبائه من ملك؟
أبو سفيان: لا.
هرقل: فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟
أبو سفيان: بل ضعفاؤهم.
هرقل: أيزيدون أم ينقصون؟
أبو سفيان: بل يزيدون.
هرقل: فهل يرتدّ أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟
أبو سفيان: لا.
هرقل: فهل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟
أبو سفيان: لا.
هرقل: فهل يغدر؟
أبو سفيان: لا، ونحن منه في مدّة لا ندري ما هو فاعل فيها، (قال:
ولم تمكنّي كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة) .
هرقل: فهل قاتلتموه؟
أبو سفيان: نعم.
هرقل: فكيف كان قتالكم إيّاه؟
أبو سفيان: الحرب بيننا وبينه سجال «1» ، ينال منّا وننال منه.
هرقل: ماذا يأمركم؟
(1)[أي مرّة لنا ومرّة علينا، وأصله أنّ المستقين بالسّجل، يكون لكلّ واحد منهم سجل] .
أبو سفيان: يقول: اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصّلاة، والصّدق، والعفاف، والصّلة.
فقال للترجمان: قل له: سألتك عن نسبه، فذكرت أنّه فيكم ذو نسب، وكذلك الرّسل تبعث في نسب قومها.
وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول؟ فذكرت أن لا، قلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت: رجل يتأسّى بقول قيل قبله.
وسألتك هل كان من آبائه من ملك؟ فذكرت: أن لا، فقلت: فلو كان من آبائه من ملك، قلت: رجل يطلب ملك أبيه.
وسألتك هل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت: أن لا، فقد أعرف أنّه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله.
وسألتك: أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت: أنّ ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل.
وسألتك أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت: أنّهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتّى يتمّ، وسألتك أيرتدّ أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟
فذكرت: أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب.
وسألتك هل يغدر؟ فذكرت: أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر.
وسألتك بم يأمركم؟ فذكرت أنّه يأمركم أن تعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصّلاة والصّدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدميّ هاتين، وقد كنت أعلم أنّه خارج، ولم أكن أظنّ أنّه منكم، فلو أنّي أعلم أنّي أخلص إليه لتجشمت لقاءه ولو