الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن يقدموا عليه مسلمين بضع عشرة ليلة، ثمّ بدأ بالأموال فقسّمها، وأعطى المؤلفة قلوبهم أول النّاس، وأجزل لأبي سفيان بن حرب وابنيه يزيد ومعاوية، وأعطى حكيم بن حزام، والنّضر بن الحارث، والعلاء بن حارثة الثقفي، وغيرهم من أشراف قريش، فأكثر وأجزل، ثمّ أمر بإحضار الغنائم والناس، ففرضها عليهم «1» .
حبّ الأنصار وإيثارهم:
وتقاول شباب من الأنصار في هذا الفرض الذي كان لأشراف قريش، ولمؤلّفة القلوب النصيب الأكبر فيه، ولم يكن للأنصار إلا نصيب ضئيل.
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنصار، فجمعوا في حظيرة، فخطب خطبة عظيمة مسّت قلوبهم، ففاضت لها عيونهم، وثار فيهم الحبّ والحنان، قال فيها:
«ألم آتكم ضلّالا، فهداكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي، وأعداء فألّف الله بين قلوبكم؟!» .
قالوا: الله ورسوله أمنّ وأفضل.
ولمّا سكتوا قال: «ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟»
قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله! لله ولرسوله المنّ والفضل.
(1) زاد المعاد: ج 1، ص 448، باختصار [وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام..، برقم (1060) ] .
ثمّ انعطف عليهم بكلمة فيها الثقة، وفيها العدالة، وفيها حكمة هذا التفاوت في الفرض والعطاء، فقال:
«أوجدتم عليّ يا معشر الأنصار في أنفسكم، في لعاعة «1» من الدّنيا، تألّفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم» .
ثم قال كلمة لم يتمالكوا أمامها، فانفجر الإيمان والحنان في نفوسهم، وتدفّق، قال:
وبكى القوم حتّى أخضلوا لحاهم، وقالوا:«رضينا برسول الله قسما وحظّا» «2» «3» .
(1) لعاعة: بقلة خضراء وناعمة، شبه بها زهرة الدنيا ونعيمها [ومنه «ما بقي في الإناء إلّا لعاعة» والمعنى بقية يسيرة] .
(2)
أصل الرواية في الصحيحين، وساقه ابن القيم في «زاد المعاد» أجمع وأشمل الطرق فاعتمدنا عليه، راجع الجامع الصحيح للبخاري، [كتاب المغازي] باب «غزوة الطائف» [رقم الحديث (4330) ، و «صحيح مسلم» كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام..، برقم (1061) ، و «مسند الإمام أحمد» (4/ 24) ، من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه، وأخرجه أحمد أيضا (3/ 76) ، وابن هشام في السيرة (2/ 498- 499) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه] .
(3)
[وفي الحقّ أنّ هذه الخطبة فريدة في لغات العالم، وإنها كما قال مولانا الداعية المجدّد أبو الحسن علي الحسني الندوي حين اطّلع على شرحي لهذه الخطبة فقال: إنّي أحسن ستّ-