الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم يكن أبو أيوب الأنصاريّ من الموسرين، لكنّه كان عظيم الفرح بنزول رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته، كبير الاعتداد والشكر لهذه الكرامة التي أكرمه الله بها.
والحبّ يلهم من أساليب الراحة وطرائق الخدمة، ما لا يلهمه شيء آخر، يقول أبو أيوب: وكنّا نصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء، ثمّ نبعث إليه، فإذا ردّ علينا فضله تيممت أنا وأمّ أيوب موضع يده، فأكلنا منه، نبتغي بذلك البركة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفل البيت وكنّا فوقه في المسكن، فلقد انكسر حبّ «1» لنا فيه ماء، فقمت أنا وأمّ أيوب بقطيفة لنا ما لنا لحاف غيرها، ننشّف بها الماء، تخوّفا أن يقطر على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيء فيؤذيه «2» .
بناء المسجد النبويّ والمساكن:
ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين- صاحبي المربد- «3» فساومهما بالمربد ليتّخذه مسجدا، فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبله منهما هبة، حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجدا «4» .
(1) الحبّ: الجرّة (القاموس: حبب) .
(2)
رواه ابن إسحاق بسنده عن أبي أيوب (ابن كثير ج 2، ص 227) [وأخرجه مسلم في كتاب الأشربة، باب إباحة أكل الثوم
…
، برقم (2053) ، والترمذي في أبواب الأطعمة، باب ما جاء في كراهية أكل الثوم والبصل، برقم (1807) ، وأحمد في مسنده (5/ 94- 95) ، والبيهقي في «الدلائل» (10/ 509- 510) من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه] .
(3)
المربد: الموضع الذي يجفّف فيه التمر.
(4)
أخرجه البخاري [في كتاب مناقب الأنصار] ، باب مقدم النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، [برقم (3932) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ابتناء مسجد النبيّ صلى الله عليه وسلم، برقم (524) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب في بناء المساجد، برقم (454) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه] .
وعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بناء المسجد، فكان ينقل اللّبن، واقتدى به المسلمون، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
اللهمّ إنّ الأجر أجر الآخره
…
فارحم الأنصار والمهاجره «1»
وكان المسلمون مسرورين سعداء، ينشدون الشعر، ويحمدون الله تعالى.
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي أيوب سبعة أشهر «2» ، حتّى بني له مسجده ومساكنه، فانتقل إلى مساكنه.
وتلاحق المهاجرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبق بمكة منهم أحد، إلّا مفتون، أو محبوس، ولم تبق دار من دور الأنصار إلا أسلم أهلها «3» .
كان من الإصلاحات والتطويرات المباركة- وإن كانت لفظية واسمية- تغيير اسم المدينة، فقد كان اسم المدينة المنوّرة القديم «يثرب» ومعناه ذميم يتشاءم به، لأنّ الثّرب فساد في كلام العرب، والتثريب هو اللوم والتعيير «4» ، وكان اسما شائعا تقصد وتعرف به هذه المدينة، وقد قال الله تعالى:
وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا [الأحزاب: 13] .
وقد ورد في حديث صحيح أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم غيّر اسمها من يثرب إلى
(1) ابن كثير: ج 2، ص 251 [وقد سبق تخريجه في صفحة (279) حاشية (4) من حديث أنس بن مالك وأبي بكر رضي الله عنهما] .
(2)
ابن كثير: ج 2، ص 279، وهو في رواية الواقدي عند أبي سعد، وجزم به ابن حجر في الفتح، وقال ابن إسحاق: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة إذ قدمها شهر ربيع الأول إلى صفر من السنة الداخلة، حتى بني له فيها مسجده ومساكنه، وحينئذ تكون إقامته صلى الله عليه وسلم عند أبي أيوب أكثر من عشرة أشهر.
(3)
سيرة ابن هشام: ج 1؛ ص 499- 500.
(4)
لسان العرب للعلامة ابن منظور، مادة «ثرب» .