الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنقه السيف، فقال:«لقد وجدته بحرا، أو إنّه لبحر» «1» .
وقد ثبت في معركة أحد، ويوم حنين، حين انكشف عنه الشجعان، وخلا الميدان، وهو ثابت على بغلته، كأن لم يكن شيء، ويقول:[من مجزوء الرجز]
أنا النبيّ لا كذب
…
أنا ابن عبد المطلب
رأفة عامة ورحمة واسعة:
وكان مع شجاعته هذه: رقيق القلب، سريع الدمعة، يرقّ للضعفاء، ويرحم الحيوانات والدوابّ، ويوصي بالرفق بها.
يروي عنه شدّاد بن أوس، فيقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبحة، وليحدّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته» «2» .
وروي عن ابن عباس- رضي الله عنهما أنّ رجلا أضجع شاة وهو يحدّ شفرته، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:«أتريد أن تميتها موتتين؟ هلّا حددت شفرتك قبل أن تضجعها» «3» ؟.
وقد أوصى أصحابه بالإحسان في علف الدابّة وسقيها، وعدم إرهاقها
(1)[قد سبق تخريجه في غزوة حنين في الفصل الرابع] .
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الذبائح، باب الأمر بإحسان الذبح، [برقم (1955) ، وأبو داود في كتاب الضحايا، باب في النهي أن تصبر البهائم والرفق بالذبيحة، برقم (2814) ، والنّسائي في كتاب الضحايا، باب الأمر بإحداد الشفرة، برقم (4410) ، وابن ماجه في أبواب الذبائح، باب: إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، برقم (3170) ] .
(3)
[أخرجه الحاكم في «المستدرك» (4/ 231) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 33) : رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح] .
وتكليفها ما لا تطيق، وعدم اتخاذها غرضا.
ونوّه بما في إزالة الكربة عن الحيوانات وإراحتهم من الأجر والثواب والقرب عند الله.
روي عن أبي هريرة- رضي الله عنه قال: «بينما رجل يمشي بطريق اشتدّ عليه العطش، فوجد بئرا فنزل فيها، ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثّرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ منّي، فنزل البئر فملأ خفّه ماء، ثمّ أمسكه بفيه حتّى رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له» .
قالوا: يا رسول الله! وإنّ لنا في البهائم أجرا؟
فقال: «في كلّ كبد رطبة أجر» «1» .
وعن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«عذّبت امرأة في هرّة لم تطعمها، ولم تسقها، ولم تتركها تأكل من خشاش «2» الأرض» «3» .
وعن سهل بن عمرو (وقيل سهل بن الربيع بن عمرو) قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه، فقال: «اتّقوا الله في هذه البهائم
(1) أخرجه البخاري في كتاب المساقاة، باب: فضل سقي الماء، [برقم (2363) ، ومسلم في كتاب السلام، باب: فضل سقي البهائم المحترمة وإطعامها، برقم (2244) ، وأبو داود في كتاب الجهاد، باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم، برقم (2550) ] .
(2)
هي هوام الأرض وحشراتها، ذكره النووي.
(3)
[أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب: إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه..، برقم (3318) ، ومسلم في كتاب السلام، باب تحريم قتل الهرة، برقم (2242) ] .
المعجمة! فاركبوها صالحة وكلوها صالحة» «1» .
وعن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا لرجل من الأنصار، فإذا فيه جمل، فلمّا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حنّ وذرفت عيناه، فأتاه النّبيّ صلى الله عليه وسلم فمسح سراته «2» ، وذفراه، فسكن، فقال:
«من ربّ هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟» فجاء فتى من الأنصار، فقال:
هذا لي يا رسول الله، قال:«أفلا تتّقي الله في هذه البهيمة التي ملّكك الله إياها؟ فإنه يشكو إليّ أنّك تجيعه وتدئبه» «3» «4» .
وروى أبو هريرة- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سافرتم في الخصب؛ أعطوا الإبل حظّها من الأرض، وإذا سافرتم بالجدب، فأسرعوا عليها السير، وبادروا بها نقيها، وإذا عرّستم فاجتنبوا الطريق، فإنّها طريق الدوابّ ومأوى الهوام بالليل» «5» .
وعن ابن مسعود- رضي الله عنه قال: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمّرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجعلت تعرّش، فجاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال:«من فجع هذه بولدها، ردّوا ولدها إليها» .
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم، [برقم (2548) ] .
(2)
سراته: أي سنامه.
(3)
[تدئبه: أي تكدّه وتتعبه (من: دأب يدأب، وأدأب يدئب) ] .
(4)
أخرجه أبو داود [في كتاب الجهاد] ، باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم، [برقم (2549) ، وأحمد في المسند (1/ 205) ] .
(5)
أخرجه مسلم [في كتاب الإمارة] ، باب مراعاة مصلحة الدواب في السير..، [برقم (1926) ، وأبو داود في كتاب الجهاد، باب في سرعة السير والنهي عن التعريس في الطريق، برقم (2569) ، والترمذي في أبواب الأدب، باب مراعاة الإبل في الخصب والسنة في السفر، برقم (2858) ، وغيرهم] .
ورأى قرية نمل قد حرقناها، قال:«من حرق هذه؟» فقلنا: نحن، قال:«إنّه لا ينبغي أن يعذّب بالنار إلا ربّ النار» «1» .
هذا فضلا عمّا أوصاه للخادم والأجير، وهما بشر من البشر، ولهما فضل على السّيد والمستأجر، فقد أوصى صلى الله عليه وسلم بالخدم والعبيد خيرا.
روى جابر بن عبد الله- رضي الله عنه أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم كان يوصي بالمملوكين خيرا، ويقول:«أطعموهم ممّا تأكلون، وألبسوهم من لبوسكم، ولا تعذّبوا خلق الله عز وجل، إنّ إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يديه فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم» «2» .
وروي عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما قال: جاء أعرابيّ إلى النّبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! كم أعفو عن الخادم كلّ يوم؟ قال: «سبعين مرة» «3» .
وعن ابن عمر- رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه» «4» .
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، باب في كراهية حرق العدوّ، [برقم (2675) ، وأحمد في المسند (1/ 404) ] .
(2)
أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» ص (30) ، [وأخرجه في صحيحه في كتاب الأدب، باب ما ينهى من السباب واللعن، برقم (6050) ، ومسلم في كتاب الأيمان، باب إطعام المملوك مما يأكل..، برقم (1661) ، والترمذي في أبواب البر والصلة، باب ما جاء في الإحسان إلى الخادم، برقم (1945) من حديث المعرور بن سويد رضي الله عنه] .
(3)
[أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب في حق المملوك، برقم (5164) ، والترمذي في أبواب البر والصلة، باب ما جاء في العفو، عن الخادم، برقم (1949) ، وأحمد في المسند (2/ 90) ] .
(4)
أخرجه ابن ماجه في أبواب الرهون، باب: أجر الأجراء [برقم (2443) ] .