الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأخلاق والشّمائل
صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم خلقا وخلقا:
وصفه صلى الله عليه وسلم هند ابن أبي هالة (ابن خديجة أم المؤمنين وخال الحسن والحسين رضي الله عنهما وكان رجلا وصّافا، فقال:
«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل «1» الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، طويل السّكت، لا يتكلّم في غير حاجة، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه «2» ، ويتكلّم بجوامع الكلم، كلامه فصل «3» ، لا فضول ولا تقصير.
ليس بالجافي «4» ، ولا المهين «5» ، يعظّم النعمة وإن دقّت «6» ، لا يذمّ منها شيئا، غير أنّه لم يكن يذمّ ذوّاقا «7» ولا يمدحه.
(1) أي لا ينفك حزن عن حزن يعقبه.
(2)
جمع شدق بالكسر: طرف الفم، أي إنه يستعمل جميع فمه للتكلّم، ولا يقتصر على تحريك شفتيه كفعل المتكبّرين.
(3)
الفاصل بين الحق والباطل.
(4)
الغليظ الطبع السيىء الخلق.
(5)
يروى بضم الميم أو بفتحها، فالضم على الفاعل من «أهان» أي لا يهين من يصحبه، والفتح على المفعول من المهانة: أي الحقارة، والابتذال، فالمعنى لم يكن غليظ الخلق ولا ضعيفه، بل كان معتدلا بين أنواع المهابة والوقار والجلالة.
(6)
صغرت وقلت.
(7)
المأكول والمشروب، أي: كان صلى الله عليه وسلم يمدح جميع نعم الله، ولا يشتغل بمذمتها قطّ.
ولا تغضبه الدنيا ولا ما كان لها «1» ، فإذا تعدّي الحقّ، لم يقم لغضبه شيء، حتّى ينتصر له، لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها.
إذا أشار أشار بكفّه كلّها، وإذا تعجّب قلبها، وإذا تحدّث اتّصل بها، وضرب براحته اليمنى بطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح «2» ، وإذا فرح غضّ طرفه.
جلّ «3» ضحكه التبسّم، يفترّ «4» عن مثل حبّ الغمام «5» «6» .
ووصفه عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه وهو من أعرف الناس به، وأكثرهم عشرة له، وأقدرهم على الوصف والبيان، فقال:
«لم يكن فاحشا «7» ، متفحّشا «8» ، ولا صخّابا «9» في الأسواق، ولا يجزي السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح «10» ، ما ضرب بيده شيئا قطّ، إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا ضرب خادما ولا امرأة، وما رأيته منتصرا «11»
(1) أي ولا يغضبه أيضا ما كان له علاقة بالدنيا.
(2)
جد في الإعراض وبالغ فيه.
(3)
معظمه وأكثره.
(4)
من افتر: ضحك ضحكا حسنا حتى بدت أسنانه من غير قهقهة.
(5)
بفتحتين: البرد.
(6)
[أخرجه الترمذي في «الشمائل» باب كيف كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم (225) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (2/ 155) برقم (1425) ، والطبراني في الكبير (22/ 156) برقم (414) من حديث هند بن أبي هالة رضي الله عنه] .
(7)
أي ذو فحش من القول والفعل، وإن كان استعماله في القول أكثر منه في الفعل والصفة.
(8)
أي ولا المتكلف به، أي ولم يكن الفحش له خلقيا ولا كسبيا.
(9)
أي صياحا.
(10)
صفح عنه: أعرض عنه وتركه، بابه فتح.
(11)
منتقما.
من مظلمة ظلمها قطّ ما لم ينتهك من محارم الله تعالى شيء، فإذا انتهك من محارم الله، كان من أشدّهم غضبا، وما خيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما، وإذا دخل بيته كان بشرا من البشر، يفلّي «1» ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه.
كان يخزن لسانه إلّا فيما يعنيه، ويؤلّفهم ولا ينفّرهم، ويكرم كريم كلّ قوم، ويولّيه عليهم، ويحذّر الناس، ويحترس منهم، من غير أن يطوي على أحد منهم بشره «2» ، ولا خلقه.
ويتفقّد «3» أصحابه، ويسأل الناس عمّا في الناس، ويحسّن الحسن ويقوّيه، ويقبّح القبيح ويوهيه «4» ، معتدل الأمر غير مختلف، ولا يغافل مخافة أن يغافلوا ويملّوا، لكلّ حال عنده عتاد «5» ولا يقصّر عن الحقّ، ولا يجاوزه، الذين يلونه من النّاس خيارهم، وأفضلهم عنده أعمّهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة «6» ومؤازرة «7» .
ولا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، يعطي كلّ جلسائه نصيبه، ولا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو فاوضه «8» في حاجة صابره حتّى يكون هو
(1) فلّى يفلّي فليا رأسه أو ثوبه: نقاهما من القمل.
(2)
بالكسر: طلاقة الوجه وبشاشته.
(3)
أي يتعرف ويطلب من غاب عنهم.
(4)
بتشديد الهاء وتخفيفها من التوهية والإيهاء: يضعفه.
(5)
بالفتح هو العدة والتأهب مما يصلح لكل ما يقع، ج أعتد، وعتد، وأعتدة.
(6)
المداراة، وهي إصلاح أحوال الناس بالمال والنفس.
(7)
المعاونة.
(8)
عامله في حاجة أو خالطه.
المنصرف، ومن سأله حاجته لم يردّه إلا بها أو بميسور من القول.
وقد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحقّ سواء، مجلسه مجلس علم وحياء وصبر وأمانة، ولا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن «1» فيه الحرم، ولا تنثى «2» فلتاته «3» ، متعادلين «4» يتفاضلون فيه بالتقوى، ويوقّرون فيه الكبير، ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب» .
وقال: «كان دائم البشر، سهل الخلق، ليّن «5» الجانب، ليس بفظّ «6» ، ولا غليظ، ولا صخّاب، ولا عيّاب، ولا مشاح «7» يتغافل عمّا لا يشتهي، ولا يؤيس منه، ولا يجيب فيه «8» .
قد ترك نفسه من ثلاث: المراء «9» ، والإكبار، وما لا يعنيه، ترك الناس من ثلاث: كان لا يذمّ أحدا ولا يعيبه، ولا يطلب عورته، ولا يتكلّم إلا فيما رجا ثوابه، وإذا تكلّم أطرق «10» جلساؤه كأنّما على رؤوسهم الطير، فإذا
(1) بضم التاء وسكون الهمزة من الأبن وهو العيب والتهمة؛ أي لا تقذف ولا تعاب.
(2)
بضم التاء وسكون النون وفتح المثلثة أي لا تشاع ولا تذاع.
(3)
أي زلاته ومعائبه على تقدير وجود وقوعها، جمع فلتة وهي ما يصدر من الرجل من سقطة.
(4)
متساوين.
(5)
أي سريع العطف، كثير اللطف، جميل الصفح، وقليل الخلاف، وقيل: كناية عن السكون والوقار والخشوع والخضوع.
(6)
الغليظ السيىء الخلق، الخشن الكلام، ج أفظاظ، وفي القرآن: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران: 159] .
(7)
اسم فاعل من المفاعلة من الشح، وهو البخل، وقيل أشده.
(8)
أي لا يجيب أحدا فيما لا يشتهي بل يسكت عنه عفوا وتكرما.
(9)
الجدال.
(10)
أمالوا رؤوسهم، وأقبلوا ببصرهم إلى صدورهم.
سكت تكلّموا، لا يتنازعون عنده الحديث ومن تكلّم عنده أنصتوا له حتّى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم «1» يضحك ممّا يضحكون، ويتعجّب مما يتعجّبون، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته، حتّى كان أصحابه يستجلبونهم، ويقول: إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فأرفدوه «2» ، ولا يقبل الثناء إلا من مكافىء «3» ، ولا يقطع على أحد حديثه حتّى يجوز «4» فيقطعه بنهي أو قيام» .
أجود الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة «5» ، وألينهم عريكة «6» ، وأكرمهم عشيرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبّه، يقول ناعته:
لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم» «7» .
وقد كسا الله نبيّه لباس الجمال، وألقى عليه محبّة ومهابة منه، وصفه هند بن أبي هالة، فقال:
«كان فخما «8» ، مفخّما «9» ، يتلألأ «10» وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر» «11» .
(1) أي حديث أفضلهم وكأول تكلمهم، أي لا عن ملال وسامة.
(2)
الإرفاد: الإعطاء والإعانة.
(3)
أي مقارب في مدحه، لا يجاوز عن حد مثله، ولا مقصر به عما رفعه الله إليه من علو مقامه.
(4)
أي يتجاوز عن الحد والحق.
(5)
اللسان.
(6)
الطبيعة؛ ج عرائك.
(7)
ملتقطا من جزء الشمائل للترمذي.
(8)
بفتح الفاء وسكون الخاء: أي عظيما في نفسه.
(9)
أي المعظم في الصدور والعيون.
(10)
أي يستنير.
(11)
[أخرجه الترمذي في «الشمائل» باب كيف كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم (7) ، وابن سعد في «الطبقات» (1/ 316) ، والبيهقي في «الدلائل» (1/ 286) من حديث هند بن أبي هالة] .