الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قائمة بعد ذلك، وكانت شبيهة بما وقع يوم أحد حين طار في الناس أن النّبي صلى الله عليه وسلم قد قتل، وانحسر عنه المسلمون.
شماتة الأعداء وتزلزل ضعاف الإيمان:
ولمّا رأى من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جفاة أهل مكّة، والذين لمّا يدخل الإيمان في قلوبهم، هذه الهزيمة، تكلّم رجال منهم بما في أنفسهم من الضّغن، فقال بعضهم:«لا تنتهي هزيمتهم دون البحر» ، وقال بعضهم:
«ألا بطل السحر اليوم» «1» .
الفتح والسكينة:
ولمّا تمّ ما أراد الله من تأديب المسلمين الذين أعجبتهم الكثرة، وأذاقهم الله مرارة الهزيمة بعد حلاوة الفتح، ليقوّي إيمانهم، فلا يبطرهم الفتح، ولا تؤيسهم الهزيمة، ردّ لهم الكرّة على الأعداء، وأنزل السكينة على رسوله وعلى المؤمنين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا في موقفه، على بغلته الشهباء، غير وجل ولا هيّاب، وقد بقي معه نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته، والعباس بن عبد المطلب آخذ بحكمة بغلته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:[من مجزوء الرجز]
أنا النبيّ لا كذب
…
أنا ابن عبد المطّلب «2»
(1) سيرة ابن هشام: ج 2، ص 442- 444 مختصرا.
(2)
أخرجه البخاري [في كتاب المغازي] باب قول الله تعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ برقم (4315) ] وفيه أنّ أبا سفيان بن الحارث أخذ بغلته البيضاء. وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب غزوة حنين، [برقم (1776) ، والترمذي في أبواب الجهاد، باب ما جاء في الثبات عند القتال، برقم (1688) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما]، وراجع للتفصيل «سيرة ابن هشام» (ج: 2/ ص 444- 445) .
ولمّا استقبلته كتائب المشركين، أخذ قبضة من تراب، ورمى بها إلى عيون الأعداء إلى البعد، فملأت أعين القوم.
ولمّا رأى انشغال الناس بأنفسهم، قال:«يا عباس! اصرخ يا معشر الأنصار! يا معشر أصحاب السمرة!» فأجابوا: لبّيك لبّيك، وكان رجلا صيّتا، فيؤمّ الرجل الصوت ويقتحم عن بعيره، ويأخذ سيفه وترسه، حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتّى إذا اجتمع إليه منهم طائفة، استقبلوا الناس، فاقتتلوا.
وأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركائبه، فنظر إلى القوم يجتلدون، فقال:
«الآن حمي الوطيس» «1» ، ثمّ أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيّات فرمى بهنّ وجوه الكفار، يقول عباس:«فما زلت أرى حدّهم كليلا وأمرهم مدبرا» «2» .
واجتلد الناس، فما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم، حتّى وجدوا الأسارى مكتّفين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم «3» ، وأنزل الله ملائكته بالنّصر، فامتلأ بهم الوادي «4» ، وتمّت هزيمة هوازن، وذلك قوله تعالى:
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ
(1) سيرة ابن هشام: (ج: 2، ص 445) : (استعرت الحرب) هذه من الكلم التي لم يسبق النبيّ صلى الله عليه وسلم إليها [والوطيس: هو حجارة مدوّرة إذا حميت لم يقدر أحد يطؤها، (النهاية: 5/ 204) ] .
(2)
أخرجه مسلم [في كتاب الجهاد، باب غزوة حنين، برقم (1775) ، وأحمد في المسند (1/ 207) ، وعبد الرزاق في المصنّف، برقم (9741) من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه] .
(3)
سيرة ابن هشام: ج 2، ص 445.
(4)
المصدر السابق: ج 2، ص 449، ورواه مسلم مطولا في كتاب الجهاد والسير، باب غزوة حنين [برقم (1775) ] .