الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى، لا يباع لهم ولا يبتاع منهم؟! والله لا أقعد حتى تشقّ هذه الصحيفة الظالمة.
وتدخّل أبو جهل في الحديث، فلم يفد، وقام المطعم بن عدي إلى الصحيفة ليشقّها، فوجد الأرضة قد أكلتها إلّا «باسمك اللهم» وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم قد أخبر بذلك أبا طالب، ومزقت الصحيفة وبطل ما فيها «1» .
وفاة أبي طالب وخديجة رضي الله عنهما:
ومات أبو طالب وخديجة في عام واحد- العام العاشر من النبوّة- وهما من عرفنا من حسن الصحبة والوفاء والنصر والتأييد، ولم يسلم أبو طالب، وتتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المصائب «2» .
وقع القرآن في القلوب السليمة:
وقدم الطّفيل بن عمرو الدّوسيّ مكة، وكان رجلا شريفا، وشاعرا لبيبا، فحالت قريش بينه وبين رسول الله، وخوّفوه من الدّنوّ إليه، وسماع كلامه، وقالوا: إنّا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمنّه ولا تسمعنّ منه شيئا.
يقول الطّفيل: والله ما زالوا بي حتى أجمعت ألّا أسمع منه شيئا، ولا أكلّمه، حتى حشوت في أذني قطنا، وغدوت إلى المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلّي عند الكعبة، فقمت منه قريبا، فأبى الله إلّا أن يسمعني بعض قوله، قال: فسمعت كلاما حسنا، فقلت في نفسي: واثكل أمي! والله إنّي
(1) على ذلك يكون حصار الشعب قد بدأ في آخر العام السابع من البعثة، وتوفي أبو طالب في آخر السنة العاشرة من المبعث، (فتح الباري 7/ 194) .
(2)
سيرة ابن هشام: ج 1؛ ص 415- 416.
لرجل لبيب شاعر، ما يخفى عليّ الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول، فإن كان الذي يأتي به حسنا، قبلته، وإن كان قبيحا تركته.
ودخل الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته، وحكى له القصّة، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، وتلا عليه القرآن، فأسلم، ورجع إلى قومه داعيا إلى الإسلام، وأبى أن يساكن أهله حتى يسلموا، فدخلوا في الإسلام جميعا، ودعا دوسا إلى الإسلام، وفشا الإسلام فيهم «1» .
وكان أبو بكر- رضي الله عنه يعبد ربّه في داره، ولا يستعلن بصلاته، ثمّ بدا له فابتنى مسجدا بفناء داره، وكان يصلّي فيه ويقرأ القرآن، فيتقذف «2» عليه نساء المشركين وأبناؤهم، وهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكاء، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن.
وأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدّغنة الذي أجاره، فقدم عليهم، فقالوا: إنّا كنّا أجرنا أبا بكر بجوارك، على أن يعبد ربّه في داره، فقد جاوز ذلك، فابتنى مسجدا بفناء داره، فأعلن بالصلاة والقراءة فيه، وإنّا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فانهه فإن أحبّ أن يقتصر على أن يعبد ربّه في داره، فعل، وإن أبى إلّا أن يعلن بذلك، فسله أن يردّ إليك ذمّتك، فإنا كرهنا أن نخفرك «3» ، ولسنا مقرّين لأبي بكر الاستعلان.
فلمّا أخبره ابن الدّغنة بما قالت قريش، قال أبو بكر: فإنّي أردّ إليك جوارك وأرضى بجوار الله «4» .
(1) سيرة ابن هشام: ج 1؛ ص 382- 384. ملخصا.
(2)
أي: يزدحمون حتى يسقط بعضهم على بعض.
(3)
الإخفار: هو نقض العهد.
(4)
رواه البخاري في الصحيح عن عائشة [في كتاب الكفالة، باب جوار أبي بكر في عهد-