الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهما من الأنصار، وقد أدركه عبد الله بن مسعود وبه رمق «لو غير أكّار «1» قتلني» «2» .
الحالة الاقتصادية والحضارية:
كانت مدينة يثرب بطبيعتها منطقة زراعيّة، وكان أكثر اعتماد أهلها على الزّراعة والبساتين، وكان من أهمّ حاصلاتها التّمر والعنب، فكانت فيها جنّات النّخيل والأعناب «3» ، وجنّات معروشات وغير معروشات، وزروع ونخيل صنوان وغير صنوان «4» ، ومن الزّروع الحبوب والبقول، وكان التمر وخاصة أيام الجدب، وتخلف الأمطار، يسدّ كثيرا من حاجة السكان الغذائية، وكان كعملة يتبادل بها أهلها عند الحاجة، وكانت النّخيل مصدر خيرات كثيرة في حياتهم، فكانوا يستخدمونه في الغذاء، والبناء،
(1) قال العلامة محمد طاهر الفتني في «مجمع بحار الأنوار» (1/ 68) : أي الزّراع والفلّاح: وهو عند العرب ناقص يعرّض بأنّ ابني عفراء من الزراع، فلو غيرهما قتلني لم يكن عليّ نقص [أراد به احتقاره وانتقاصه، كيف مثله يقتل مثله] .
(2)
[أخرجه البخاريّ في كتاب المغازي برقم (4020) ، ومسلم في كتاب الجهاد، باب قتل أبي جهل، برقم (1800) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه] .
(3)
اقرأ حديث أبي طلحة في بيرحاء الذي رواه الشيخان: وكانت بساتين ملتفة الأغصان والأوراق حتى يدخل فيها الدبسي- وهو طائر صغير- فلا يكاد يخرج منها، جاء في قصة أبي طلحة الأنصاري: أنه كان يصلّي في حائط له، فطار دبسي: فطفق يتردّد يلتمس مخرجا فأعجبه ذلك، فجعل يتبعه بصره ساعة، إلى قصة تصدقه بهذا الحائط بسبب الفتنة التي فتن بها، أخرجه مالك في موطّئه [في كتاب الصدقة، باب الترغيب في الصدقة، برقم (1926) ، والبخاري في كتاب الزكاة، باب الزكاة على الأقارب، برقم (1461) ، ومسلم في كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج، برقم (2312) ، والترمذي في أبواب تفسير القرآن، في تفسير سورة آل عمران، برقم (2997) .
(4)
راجع سورة الأنعام وسورة الرعد.
والصناعة، والوقود، وعلف الدوابّ «1» .
ولتمر المدينة أنواع كثيرة، وتفاصيل دقيقة تصعب الإحاطة بها «2» .
ولأهل المدينة تجارب وطرق في تنمية حاصل النخيل وتحسينه استفادوها من طول المراس، منها تأبير النخل «3» .
هذا لا ينفي وجود حركة تجارية في المدينة، ولكنّها لم تكن في القوّة والانتشار بمكانة الحركة التجارية في مكة، إذ كان اعتماد أبناء الوادي- وهي غير ذي زرع ومياه وفيرة- على التّجارة ورحلة الشّتاء والصّيف.
وكانت في المدينة بعض الصّناعات يمارس أكثرها اليهود، ولعلّهم جلبوها من اليمن، فلم يزالوا فيه إلى أن غادروه في الزمن الأخير، حاذقين في الصناعات، وكان عامة بني قينقاع صاغة، وكانوا أغنى طوائف اليهود في مدينة يثرب، وكانت بيوتهم تحتوي على الأموال الطائلة، والحليّ الكثيرة من الفضّة والذهب، مع أنّ عددهم كان غير كثير «4» .
وقد منح الله أرض يثرب، وهي بركانية التربة، خصبا زائدا، وهي ذات
(1) اقرأ شرح الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه (في كتاب العلم، وترجم له: «باب طرح الإمام المسألة على الناس ليختبر ما عندهم من العلم» )[برقم (61) ] في «فتح الباري» ، للحافظ ابن حجر العسقلاني، أو «عمدة القاري» للعيني [وأخرجه مسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب مثل المؤمن مثل النخلة، برقم (2811) ] .
(2)
تدلّ الثروة اللغوية الكبيرة التي تدور حول النخلة والتمر، على ما كانت تشغله هذه الشجرة وثمرتها من مكان في حياة العرب عامة وأهل المدينة خاصة، وما كان لهما من أهمية، راجع على سبيل المثال «أدب الكاتب» لابن قتيبة و «فقه اللغة» للثعالبي، و «المخصّص» لابن سيده؛ وقد أفرد عدد من العلماء كتبا للنخل.
(3)
التأبير: هو أن يشقّ طلع النخلة ليذر فيه شيء من طلع ذكر النخل، (شرح مسلم للنووي) .
(4)
اليهود في بلاد العرب: ص 128.
وديان كثيرة، تفيض بمياه السيول، فتروي أرضها وتسقي النخل والزروع، اشتهر منها وادي العقيق «1» ، الذي كان متنزّه المدينة، وكان يتدفّق بالماء، ويزهو بالبساتين، وكانت الأرض صالحة لحفر الآبار، وقد كثرت فيها البساتين، ومنها ما هو مسوّر ويسمّيه أهل المدينة «الحائط» «2» .
واشتهرت آبار كثيرة بعذوبة الماء ووفرته، وكانت لهم شراج «3» ، وكانوا يحوّلون الماء بالمساحي إلى حدائقهم «4» .
وكان من الحبوب الرئيسيّة الشعير، ثم القمح، وتكثر الخضراوات والبقول، وكانت لهم طرق في المزارعة، والمؤاجرة، والمزابنة، والمحاقلة، والمخابرة، والمعاومة، منها ما أقرّه الإسلام ومنها ما منعه أو أصلحه «5» .
(1) اقرأ «معجم البلدان» لياقوت الحموي؛ و «الأغاني» لأبي الفرج الأصبهاني.
(2)
اقرأ قصة ابتلاء كعب بن مالك في الجامع الصحيح للبخاري (كتاب المغازي) وقد جاء فيه: «حتى إذا طال على ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسوّرت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمّي» [انظر تخريجه المفصّل في هذا الفصل، ص 492] .
(3)
الشرجة: هي مسيل الماء.
(4)
اقرأ حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم، وجاء فيه:«اسق حديقة فلان» ، وجاء فيه ذكر الشراج، وتحويل الماء بالمسحاة [أخرجه مسلم في كتاب الزهد، باب فضل الإنفاق على المساكين وابن السبيل، برقم (2984) ، وابن حبان في الصحيح (8/ 142) برقم (3356) ، وأحمد في المسند (2/ 296) ] .
(5)
اقرأ أبواب الحرث والمزارعة في الصحاح: و «المزابنة» : بيع التمر في رؤوس النخل بالتمر كيلا، و «المحاقلة» : بيع الزرع في سنبله، الشعير بشعير كيلا، والقمح بقمح كيلا، و «المخابرة» و «المزارعة» متقاربتان؛ وهما المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها من الزرع؛ كالثلث، والربع، لكن في المزارعة يكون البذر من مالك الأرض، وفي المخابرة يكون البذر من العامل، وقال جماعة من أهل اللغة: هما بمعنى، وفي صحة المزارعة والمخابرة خلاف مشهور للسلف والخلف؛ (مستفاد من شرح النووي لمسلم) . «والمعاومة» : هو بيع السنين، ومعناه: أن يبيع ثمر الشجرة عامين؛ أو ثلاثة أو أكثر.
وكانت العملة في مكة والمدينة واحدة، وقد شرحناها ص (142- 143) .
وكانت المدينة تعتمد على المكاييل، وتحتاج إليها أكثر من مكة، لاعتماد أهلها على الحبوب والثّمار «1» ، وكانت الأكيال المستعملة في المدينة هي المدّ والصّاع والفرق والعرق والوسق «2» .
أمّا الأوزان المستعملة فهي الدرهم والثقاف والدّانق والقيراط والنّواة والرّطل والقنطار والأوقيّة «1» .
ولم تكن المدينة- على خصبها- مكتفية غذائيا، فكان أهلها يستوردون بعض المواد الغذائية من الخارج، وكانوا يجلبون دقيق الحوار والسمن والعسل، من الشام. قد جاء في حديث رواه الترمذيّ عن قتادة بن النعمان- رضي الله عنه:«كان الناس إنّما طعامهم بالمدينة، التمر والشعير، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة «3» ، من الشام من الدرمك «4» ، ابتاع الرجل منها فخصّ بها نفسه، وأمّا العيال فإنّما طعامهم التمر والشعير «5» ، والقصة تلقي ضوءا على الحالة الغذائيّة في المدينة- التي لم
(1) لذلك قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «الميزان ميزان أهل مكة، والمكيال مكيال أهل المدينة» (رواه أبو داود والنسائي من رواية طاووس عن ابن عمر، وصححه ابن حبان، والدارقطني) .
(2)
راجع للتفصيل والتقدير شروح كتب الحديث وكتب الخلاف، انظر لمقاديرها «التراتيب الإدارية» ج 1، ص 413- 415.
(3)
الضافطة: قال الفتني: «الضافطة» و «الضفاط» من يجلب الميرة والمتاع إلى المدن؛ وكانوا قوما من الأنباط يحملون إلى المدينة الدقيق والزيت وغيرهما، (مجمع بحار الأنوار، ج 3، ص 410؛ طبع حيدرآباد- الهند) .
(4)
«الدرمك» : الدقيق الحوارى؛ واحده: «الدرمكة» .
(5)
انظر تفسير قوله تعالى: وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً [النساء: 107] . الآيات في جامع الترمذي [أبواب تفسير القرآن، تفسير سورة النساء، رقم الحديث (3036) ] .
تحدث بعد الهجرة فجأة- وعلى المستويات المختلفة في المعيشة.
وكان اليهود- كما عرف من طبيعتهم وتاريخهم في كلّ بلد- أكثر غنى من العرب، وكان العرب بطبيعتهم العربيّة البدويّة، لا يفكّرون في المستقبل كثيرا، فيوفّرون له المال، وكانوا أهل ضيافة وكرم، يضطرون إلى الاستدانة من اليهود، وكثيرا ما تكون هذه الاستدانة بالربا والرهن.
وكان لأهل المدينة ثروة من الإبل والبقر والأغنام، ويستخدمون الإبل في إرواء الأراضي ويسمّونها ب «الإبل النواضح» ، وكانت لهم مراع اشتهرت منها «زغابة» و «الغابة» ، يحتطب منها الناس، ويرعون فيها ماشيتهم «1» وكانت لهم خيل يستخدمونها في الحروب وإن كانت قليلة بالنسبة إلى مكة.
وكان بنو سليم مشهورين باقتناء الخيل، يجلبونها من الخارج.
وكانت في المدينة عدّة أسواق، أهمّها «سوق بني قينقاع» مركز بيع الحلي والمصوغات الذهبيّة، وكانت سوق للبزازين، وتوجد في المدينة المنسوجات القطنية والحريرية، والنّمارق الملونة والسّتور المرسومة «2» .
وكان عطّارون يبيعون أنواع العطور والمسك، وكان يوجد من يتّجر في العنبر والزّئبق «3» .
وكانت أنواع من البيع منها ما أقرّه الإسلام، ومنها ما منعه، مثل
(1) راجع «معجم البلدان» لياقوت الحموي، و «وفاء الوفا» للسّمهودي.
(2)
اقرأ حديث عائشة الذي [أخرجه مسلم في كتاب اللباس والزينة، باب تحريم تصوير.. برقم (2107) وغيره] وقد جاء فيه ذكر القرام» قال الفتني: هو ستر رقيق وقيل صفيق من صوف ذي ألوان، قيل: ضربته مثل حجلة العروس، وقيل: وكان مزينا منقشا، (مجمع بحار الأنوار: ج 4، ص 258) .
(3)
راجع «التراتيب الإدارية» للعلامة عبد الحي الكتاني (القسم التاسع) .
النّجش «1» والاحتكار، وتلقي الرّكبان «2» خارج المدينة، وبيع المصرّاة «3» ، والبيع بالنّسيئة «4» ، وبيع الحاضر للبادي، وبيع المجازفة «5» ، وبيع المزابنة «6» ، والمخاضرة «7» «8» ، وكان من الأوس والخزرج من يتعامل بالرّبا، وإن كان ذلك نادرا بالنسبة إلى اليهود.
وقد توسّعت الحياة في المدينة بعض التوسّع، ورقت بحكم طبيعة أهلها، فكانت البيوت ذات طبقات «9» ، وكانت لبعض البيوت حدائق، وكانوا يستعذبون الماء، وقد يأتون به من بعيد، وكانت توجد كراس «10» ، وكانت تستعمل أقداح من زجاج وأقداح من الحجارة، وسرج منوّعة «11» ، وكانوا يستخدمون المكاتل والقفف في أعمال المنزل والزراعة، وكان للأغنياء شيء كثير من الأثاث لبيوتهم، خصوصا اليهود، وكانت أنواع من
(1)[النّجش: الزيادة في ثمن السلعة المعروضة للبيع، لا ليشتريها بل ليغرّ بذلك غيره] .
(2)
[الرّكبان: الذين يجلبون إلى البلد الأرزاق للبيع، وسواء كانوا ركبانا أو مشاة، جماعة أو واحدا] .
(3)
[المصرّاة: الدّابّة الحلوب حبس لبنها في ضرعها، ليوهم المشتري كثرة اللبن] .
(4)
[النّسيئة: التأخير، يقال: باعه بنسيئة] .
(5)
[المجازفة: هي بيع الشيء لا يعلم كيله أو وزنه] .
(6)
[المزابنة: وهي بيع الرّطب في رؤوس النّخل بالتّمر، وأصله من الزّبن، وهو الدفع، كأن كلّ واحد من المتبايعين يزبن صاحبه عن حقّه بل يزاد منه، وإنما نهي في الحديث عنها لما يقع فيها من الغبن والجهالة] .
(7)
[المخاضرة: هي بيع الثمار والحبوب قبل أن يبدو صلاحها] .
(8)
انظر أبواب البيع في كتب الحديث والفقه؛ وأحكامها من الحل والحرمة.
(9)
انظر حديث الهجرة، ونزول رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي أيوب رضي الله عنه [في صحيح مسلم، برقم (2053) ] .
(10)
التراتيب الإدارية: ج 1، ص 97.
(11)
المصدر السابق: ج 1، ص 104.