الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقيال يكثر عددهم في كلّ زمان ومكان، أمّا من عرف مكانة هؤلاء الملوك في الخريطة السياسية في ذلك العصر، واطّلع على تاريخهم وسيرتهم وأخلاقهم، وما كان لهم من حول وطول، وسطوة ورهبة، عرف ضخامة هذا العمل الذي لا يقدم عليه إلا نبيّ مأمور من الله، مكلّف بالدعوة، بعيد عن كلّ ظلّ من ظلال الخوف والضعف تجلّى عليه ملكوت السموات والأرض فتراءى له هؤلاء الملوك دمى كسيت حللا ملوكية فاخرة، أو تماثيل لا روح فيها ولا حياة.
هرقل الأول قيصر الروم (610- 641 م) :
هو هرقل قيصر الروم الإمبراطور البيزنطيّ، كان يحكم إمبراطورية واسعة، توزّعت مع الإمبراطورية الإيرانية العالم المتمدّن في ذلك اليوم، وحكمت نصف العالم تقريبا، وكانت لها ولايات واسعة غنيّة متمدنة راقية، في القارات الثلاث: أوربة، وآسيا، وإفريقية، وخلفت الدولة الرومية الكبرى التي خضع لها العالم القديم «1» .
وكان من أسرة يونانية الأصل، ولد في «كيبوديشية» ونشأ في قرطاجنة «كارتهيج» «2» ، وكان ابن حاكم إفريقية الروميّ Exarch of Afrca ولم يكن شيء يدلّ على عصاميته ونبوغه، أو عبقريته القيادية، إلى أن قتل فوقاس) Phocas (المغتصب، إمبراطور البيزنطية الشرعيّ موريقس) Maurices (سنة
(1) قد ذكرنا حدود هذه المملكة، وما كانت تحكمه من ولايات، ومقاطعات، في أوربة وآسيا، وإفريقية، في الباب الأول من هذا الكتاب، تحت عنوان «الدولة الرومية الشرقية» .
(2)
مدينة قديمة في إفريقية، أسّسها الفينيقيون في 814 ق. م، وبمقربة من أطلالها قامت مدينة تونس.
602 م الذي كان صاحب الفضل على كسرى أبرويز، وانتهز الفرس هذه الفرصة للزحف على الدولة البيزنطية فدوّخوها واحتلّوها وأهانوها واحتضرت الدولة البيزنطيّة الشهيرة تلفظ آخر أنفاسها «1» ، فدعي هرقل من قرطاجنة فقتل فوقاس، وتسلّم زمام الحكم والقيادة في سنة 610 م «2» ، والمملكة في صراع الموت والحياة، وفي براثن المجاعة، والأمراض الوبائية، والفقر، والعجز الماليّ.
وبقي هرقل في سنواته الأولى لا يبعث أملا ولا يحرّك ساكنا، ولكن حدث فيه انقلاب في سنة 616 م (وهي السنة التي نبّأ القرآن فيها بغلبة الروم في بضع سنين)«3» ، فتحوّل من ملك متخاذل راكن إلى الدعة والترف، إلى قائد متحمّس غيور، قد ملكته الفكرة وثارت فيه الحميّة، وتوجّه إلى مركز الإمبراطورية الإيرانية، يستعيد بلاده وكرامة أمّته، ويفتح مدن إيران الشهيرة، ويستولي على مراكزها الكبيرة، حتّى أوغل في قلب إيران، وأهان الإمبراطورية الإيرانية العظيمة القديمة، وأثخنها قتلا وجراحا، حتّى أو شكت الإمبراطورية السّاسانية على النهاية، وتزلزلت قوائم عرش آل ساسان، ورجع القائد المنتصر، فدخل القسطنطينية دخول الفاتح العظيم سنة 625 م «4» ، وتوجّه إلى بيت المقدس في سنة 629 م، ليعيد إليه الصليب
(1) اقرأ القصة مفصّلة في كتاب «انحطاط دولة روما وسقوطها» لمؤلّفه «جبون» ، وكتاب «إيران في عهد الساسانيين» لمؤلفه «آرتهر كرستن سين» .
(2)
وبعد مضي عام على هذا الحادث كانت البعثة المحمدية في الجزيرة العربية.
(3)
واقرأ مقال «إحدى نبوءات القرآن العظيمة ونبوءة غلبة الروم» في كتاب المؤلف «المدخل إلى الدراسات القرآنية» طبعة دار ابن كثير بدمشق، وطبعة المجمع الإسلامي العلمي ندوة العلماء لكهنؤ (الهند) .
(4)
وفي سنة 626 م كانت واقعة بدر الكبرى التي التقى فيها انتصار المسلمين على مشركي مكة بانتصار الروم أهل الكتاب على منافسيهم الفرس عباد النار، وتحققت نبوءة القرآن عن غلبة-