الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فضل البعثة المحمّديّة على الإنسانيّة ومنحها العالميّة الخالدة «1»
أ- فضل البعثة المحمدية على الإنسانية
1- إعلان فريد في تاريخ الرسالات والديانات:
قال الله تعالى مخاطبا لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: 107] ، هذا إعلان فريد من نوعه، جاء في كتاب خالد قدّر الله سبحانه وتعالى له أن يتلى في كلّ مكان وزمان، ويبلغ عدد قرائه ملايين الملايين، وقال عنه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: 9] .
إنّ سعة هذا الإعلان، وإطاره الكبير، ومساحته بحساب الزمان والمكان، تجعلان هذا الإعلان خارقا للعادة، لا يمكن أن يمرّ به الإنسان
(1) محاضرة ألقاها المؤلف في 20 ربيع الآخر 1395 هـ (2/ 5/ 1975 م) في قاعة المحاضرات الكبرى بمدينة لكهنؤ- الهند، حضرها جمّ غفير من المثقفين من جميع طبقات الشعب، من المسلمين وغير المسلمين، نقلها إلى العربية الأستاذ محمد الحسني رئيس تحرير مجلة «البعث الإسلامي» وتناولها المحاضر بالتنقيح والتهذيب وشيء من الحذف والزيادة، ولما كانت هذه المحاضرة وثيقة الصلة بالسيرة النبوية، وفضلها على الإنسانية والمدنية، جعلها المؤلّف الفصل الأخير لهذا الكتاب.
الواعي مرورا عابرا سريعا، فإنّ مساحته الزمنيّة تحوي جميع الأجيال، والأدوار التاريخيّة التي تتلو البعثة المحمدية، ومساحته المكانيّة تسع العالم كلّه، فإنّ الله سبحانه وتعالى لم يقل: إنّنا أرسلناك رحمة لجزيرة العرب، أو للشرق أو الغرب أو لقارّة مثل آسيا مثلا، بل إنّه قال: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: 107] .
الحقّ أنّ سعة هذا الإعلان وشموله، وعظمته وسموّه، واستمراره وخلوده، كلّ ذلك يقتضي أن يقف عنده مؤرّخو العالم وفلاسفته، ونوابغه وأذكياؤه حيارى مشدوهين، بل يقف أمامه الفكر الإنسانيّ كلّه حائرا مشدوها، وينقطع إليه كلّيا- ردحة من الزمان- يبحث في مدى صدق هذا الإعلان، أو صحة هذا الواقع، لأنّنا لم نجد في تاريخ الأديان والنّحل، وفي تاريخ الحضارات والفلسفات وتاريخ الحركات الإصلاحيّة والمحاولات الثوريّة، بل في تاريخ العالم كلّه، وفي المكتبة الإنسانيّة بأسرها مثل هذا الإعلان المحيط بالكون كلّه، والأجيال البشريّة كلّها، والأدوار التاريخيّة بأجمعها، حول أيّ شخصيّة من شخصيّات العالم، حتّى إنّ خلاصة تعاليم الأنبياء السابقين، ونبذة من أحوالهم وسيرتهم الّتي وصلت إلينا هي أيضا مجرّدة عن مثل هذا الإعلان.
أمّا اليهوديّة- وهي ديانة قديمة مشهورة- فإنّها تنظر إلى الله كربّ بني إسرائيل، وإله بني إسرائيل في الغالب. إنّ صحف العهد القديم، والكتب المقدسة الدينيّة عند اليهود تخلو عن ذكر الله كربّ العالمين، وربّ الكون بتاتا، ولذلك فالبحث في سيرة نبيّ من أنبيائهم، مثل موسى وهارون، أو داود وسليمان، عن مثل هذا الإعلان، عبث وإضاعة وقت، فإنّ هذه الديانة لم تكن- في أيّ مرحلة من مراحلها- رسالة رحمة ومساواة للجيل الإنسانيّ
كلّه من غير تمييز عنصريّ ولم تشجّع فيها الدعوة إلى هذه الديانة خارج شعب إسرائيل أبدا «1» .
أمّا المسيحيّة التي عرفت بتسامحها وحماسها للدعوة، وعطفها على الإنسانية، فقد جاء في الإنجيل تصريح- والعهدة على الكتاب- بأنّ المسيح صرّح بأنّه لم يبعث إلا ليرعى خراف بني إسرائيل الضالة «2» ، وحين لفت نظره إلى بعض المرضى الذين لم تكن لهم صلة رحم ونسب ببني إسرائيل اعتذر وقال:«إنّي لست ذلك الرجل الذي يعطي خبز الأولاد للكلاب» «3» .
أمّا الدّيانات الشرقيّة والآسيويّة الآخرى، وخاصة الهندوكيّة، فإنّها لا تختلف كثيرا عن النموذج السابق، بل إنّها تسبق الديانات السابقة أحيانا في تقديس النّسب والسلالة، وتوزيع النّاس في طبقات توزيعا ظالما جائرا، لا يعرف اللين والمرونة.
فقد كان المنبوذون في المجتمع الهنديّ محرومين من كلّ نوع من التكريم والشرف والمساواة، ومن أولى حقوق الإنسان، وأبسط مبادىء الإنسانيّة، لا يجوز لهم تحصيل العلم، والتعليم، والتدريس، والتطلّع إلى الهضبة الروحية.
فقد خصّ دراسة «ويدا» وتقديم القرابين، والنذر لآلهتهم وأوثانهم بالبراهمة فحسب «4» ، وكان النظر في كتب «ويدا» ودراستها مقصورا على
(1) انظر للتوسع والتفصيل في هذا الموضوع كتاب المهتدية الأمريكية الفاضلة مريم جميلة.) Islam Versus Ahl -El -Kitab ،Past Present 22 -32:
(2)
إنجيل متى: باب 15، آية 24، وباب 10، آية 6- 7.
(3)
متى: باب 15- آية 26.
(4)
منوشاستر: الباب الأول- 88.