الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الطائف:
وكانت الطائف تلو مكة في الأهمية، واتساع العمران، ورفاهية السكان، ونقل القرآن مقالة الخصوم من قريش فقال:
وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف: 31] .
وكانت مستقرّ عبادة (اللّات) وكان صنما يعبد ويحجّ إليه، وكانت تضارع في ذلك مكة التي كانت مستقرّ عبادة «هبل» صنم قريش الأكبر.
فلمّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف، عمد إلى نفر من سادة ثقيف وأشرافهم، فجلس إليهم، ودعاهم إلى الله، فكان ردّهم شرّ ردّ، واستهزؤوا به صلى الله عليه وسلم وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم، يسبّونه ويصيحون به، ويرجمونه بالحجارة، فعمد إلى ظلّ نخلة، وهو مكروب، فجلس فيه، وكان ما لقي في الطائف أشدّ ما لقيه من المشركين، وقعد له أهل الطائف صفّين على طريقه، فلمّا مرّ جعلوا لا يرفع رجليه إلا رموها بالحجارة، حتى أدموه، وهما تسيل منهما الدّماء، وفاض قلبه ولسانه بدعاء شكا فيه إلى الله ضعف قوته، وقلّة حيلته، وهوانه على الناس، واستعاذ بالله تعالى وبنصره وتأييده، فقال:
«اللهمّ إليك أشكو ضعف قوّتي، وقلّة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين! أنت ربّ المستضعفين، وأنت ربّي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهّمني «1» ؟ أم إلى عدوّ ملّكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، غير أنّ عافيتك هي أوسع لي.
أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا
(1)[يتجهّمني: أي يستقبلني بوجه كريه] .
والآخرة، من أن تنزل بي غضبك، أو يحلّ عليّ سخطك، لك العتبى «1» حتى ترضى، ولا حول ولا قوّة إلا بالله» «2» .
فأرسل الله إليه ملك الجبال، يستأذنه في أن يطبق الأخشبين «3» ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«بل أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا» «4» .
ولمّا رآه عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وما لقي، تحرّكت لهما المروءة، فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له «عدّاس» فقالا له: خذ قطفا من العنب، فضعه في هذا الطبق، ثم اذهب به إلى ذلك الرّجل، فقل له يأكل منه، ففعل «عداس» ، وأسلم بما سمعه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى من أخلاقه «5» .
وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف إلى مكّة، وقومه أشدّ ما كانوا عليه من خلاف وعداء، وسخرية واستهزاء.
(1)[العتبى: الرّضا. يقال: يعاتب من ترجى عنده العتبى، أي: يرجى عند الرّجوع عن الذّنب والإساءة] .
(2)
[أخرج الطبرانيّ قصّة ذهابه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ودعائه، من حديث عبد الله بن جابر رضي الله عنه، كما في مجمع الزوائد (6/ 35) ] .
(3)
[الأخشبان: الجبلان المطيفان بمكّة، وهما أبو قبيس والأحمر، وهو جبل مشرف وجهه على قعيقعان، والأخشب: كلّ جبل خشن غليظ الحجارة (النهاية في غريب الحديث: 2/ 32) ] .
(4)
[أخرجه البخاريّ في كتاب بدء الخلق، باب: إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء
…
برقم (3231) ] ، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبيّ صلى الله عليه وسلم من أذى المنافقين والمشركين [برقم (1795) من حديث عائشة رضي الله عنها] .
(5)
سيرة ابن هشام: ج 1؛ ص 419- 422، وسيرة ابن كثير: ج 2، ص 149- 153، وزاد المعاد: ج 1، ص 302 (مجموعا ملخصا) .