الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولمّا أراد صهيب الهجرة، قال له كفّار قريش: أتيتنا صعلوكا حقيرا، فكثر مالك عندنا، وبلغت الذي بلغت، ثمّ تريد أن تخرج بمالك ونفسك؟
والله لا يكون ذلك!
فقال لهم صهيب: أرأيتم إن جعلت لكم مالي، أتخلّون سبيلي؟.
قالوا: نعم.
قال: إنّي قد جعلت لكم مالي.
وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ربح صهيب، ربح صهيب» «1» .
وهاجر عمر بن الخطاب، وطلحة، وحمزة، وزيد بن حارثة، وعبد الرحمن بن عوف، والزّبير بن العوّام، وأبو حذيفة، وعثمان بن عفان، وآخرون- رضي الله عنهم أجمعين- وتتابعت الهجرة ولم يتخلّف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة غير من حبس وفتن، إلا عليّ بن أبي طالب، وأبو بكر بن أبي قحافة رضي الله عنهما «2» .
تامر قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم التامر الأخير، وخيبتهم فيما أرادوا:
ولمّا رأت قريش أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صار له أصحاب وأنصار في المدينة ولا سلطان لهم عليها، تخوّفوا من خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وعرفوا أنّه إذا كان ذلك، فلا حيلة لهم فيه، ولا سبيل لهم عليه، فاجتمعوا في «دار النّدوة» وهي دار قصيّ بن كلاب، وكانت قريش لا تقضي أمرا إلّا فيها، يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمع فيها أشراف قريش.
(1) ابن كثير نقلا عن ابن هشام: ج: 2، ص 223 [وأخرجه البيهقي في «الدلائل» (2/ 522- 523) ، والحاكم في «المستدرك» (3/ 400) وصحّحه ووافقه الذهبي] .
(2)
سيرة ابن هشام: ج 1؛ ص 470- 479.
واجتمع رأيهم أخيرا على أن يؤخذ من كلّ قبيلة فتى شابّ صاحب جلادة ونسب، فيها جموا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويضربوه ضربة رجل واحد، وبذلك يتفرّق دمه في القبائل جميعا، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا، وتفرق القوم على ذلك، وهم مجمعون له.
وأخبر الله رسوله بهذه المؤامرة، فأمر عليّ بن أبي طالب أن ينام على فراشه، متسجّيا ببردته، وقال: لن يخلص إليك شيء تكرهه.
واجتمع القوم على بابه، وهم متهيّئون للوثوب، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ حفنة من تراب في يده، وأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم، وهو يتلو آيات من سورة يس من أوّلها إلى قوله تعالى: فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [يس: 9] .
وأتاهم آت، فقال: ما تنتظرون هاهنا؟
قالوا: محمدا.
قال: خيّبكم الله، قد والله خرج وانطلق لحاجته.
وتطلّعوا، فرأوا عليّا نائما على الفراش، فلم يشكّوا في أنّه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمّا أصبحوا قام عليّ- رضي الله عنه عن الفراش، فخجلوا، وانقلبوا خائبين «1» .
(1) سيرة ابن هشام: ج 1؛ ص 480- 483 [وأخرجه أبو نعيم في «الدلائل» ص: (64) ، والطبري في تاريخه: (2/ 373) ] .