الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تجعله لهم، وكانت قريش قوما تجّارا، وقد كانت اختبرت صدق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكرم أخلاقه، ونصيحته، حين خرج في مال لها إلى الشّام تاجرا، وبلغها من كبر شأنه في هذه الرّحلة، فعرضت عليه نفسها، وكانت قد رفضت طلب كثير من أشراف قريش، وخطبها إليه عمّه حمزة، وخطب أبو طالب الخطبة، فكان الزواج «1» .
وكانت أوّل امرأة تزوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم «2» وولدت له ولده كلّهم إلا إبراهيم «3» .
قصة بنيان الكعبة ودرء فتنة عظيمة:
ولمّا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وثلاثين سنة، اجتمعت قريش لبنيان الكعبة، وقد أرادوا ذلك ليسقفوها، وكانت حجارة بعضها على بعض، من غير طين يركب بعضها على بعض، وكانت فوق القامة، وكان لا بدّ من هدم وبناء جديد «4» .
فلمّا بلغ البنيان موضع الركن، اختصموا في الحجر الأسود، كلّ قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الآخرى، وكلّ قبيلة تريد أن يكون لها هذا
(1) سيرة ابن هشام: ج 1، ص 189- 190.
(2)
[أخرج أحمد قصّة زواجه صلى الله عليه وسلم من خديجة رضي الله عنها في المسند: (1/ 312) ؛ والطبرانيّ في المعجم الكبير، برقم (12838) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وقال الهيثمي في المجمع (9/ 220) : رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد والطبراني رجال الصحيح، وقال أحمد شاكر: إسناده فيه نظر.] .
(3)
سيرة ابن هشام: ج 1، ص 190، وكتب السّير الآخرى.
(4)
قال موسى بن عقبة: وإنما حمل قريشا على بنائها أن السيل كان أتى من فوق الردم الذي صنعوه فأخربه فخافوا أن يدخلها الماء، وكان رجل يقال له مليح سرق طيب الكعبة فأرادوا أن يشيدوا بنيانها وأن يرفعوا بابها حتى لا يدخل إلا من شاؤوا. (اقرأ التفصيل في «عيون الأثر» لابن سيد الناس، ج 1، ص 52) .
الشرف، حتّى آل الأمر إلى الحرب، وكانت تنشب في أهون من هذا بكثير في الجاهلية.
واستعدّوا للقتال، وقرّبت بنو عبد الدّار جفنة مملوءة دما، وتعاقدوا، هم وبنو عديّ، على الموت، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدّم في تلك الجفنة. وكانت آية الموت والشرّ.
ومكثت قريش على ذلك أياما، ثمّ اتّفقوا على أنّ أول من يدخل من باب المسجد يقضي بينهم، فكان أول داخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمّا رأوه قالوا:
هذا الأمين رضينا، هذا محمد.
ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب وأخذ الحجر، ووضعه فيه بيده، ثمّ قال:
«لتأخذ كلّ قبيلة بناحية من الثوب ثمّ ارفعوه جميعا» ففعلوا، حتّى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده، ثم بنى عليه «1» .
وهكذا درأ «2» رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرب عن قريش، بحكمة ليست فوقها حكمة، وكانت مقدّمة درئه للحروب والشرور عن الشعوب والأمم بعد النبوّة، بحكمته، وتعاليمه، ورفقه، وتلطّفه في الأمور، والإصلاح بين الناس، فيكون رحمة للعالمين كما كان رحمة للمتخاصمين والمتحاربين في قوم بسطاء أمّيين.
(1) سيرة ابن هشام: ج 1، ص 192- 197. [انظر هذه القصّة في «المعجم الأوسط» برقم (2442) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال الهيثمي في المجمع (8/ 229) : رجاله رجال الصحيح، غير عمير بن حفص الضرير، وخالد بن عرعرة، وكلاهما ثقة، وروى القصة أيضا عبد الرزاق في مصنفه (5/ 100- 101) والحاكم (1/ 458) والبيهقي في دلائل النبوة (2/ 56- 57) .] .
(2)
[درأ: أي دفع] .