الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إيمان قريش بمكانة البيت عند الله:
ويتجلّى هذا الإيمان بأنّ لهذا البيت مكانة عند الله، وأنّه حاميه ومانعه، في حديث دار بين عبد المطّلب- جدّ الرسول وسيّد قريش- و «أبرهة» - ملك الحبشة- وقد أصاب له الملك مئتي بعير، فاستأذن له عليه، وقد أعظمه أبرهة، ونزل له عن سريره، فأجلسه معه، وسأله عن حاجته، فقال:
حاجتي أن يردّ عليّ الملك مئتي بعير أصابها لي.
فلمّا قال له ذلك، زهد فيه الملك، وتفادته عينه، وقال: أتكلّمني في مئتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك، قد جئت لهدمه، لا تكلّمني فيه؟!.
قال له عبد المطّلب: إنّي أنا ربّ الإبل، وإنّ للبيت ربّا سيمنعه.
قال: ما كان ليمتنع منّي.
قال: أنت وذاك «1» .
إذا فلا سلطان عليها لزاحف، ولا سبيل إليها لمهاجم، وإنّ الله بالغ أمره في بيته ودينه.
وكان من خبره أنّ أبرهة الأشرم عامل النّجاشيّ (ملك الحبشة) على اليمن بنى ب «صنعاء» كنيسة عظيمة، سمّاها «القلّيس» وأراد أن يصرف إليها حجّ العرب، وغار من الكعبة أن تكون مثابة للناس، يشدّون إليها الرحال، ويأتون من كل فجّ عميق، وأراد أن يكون هذا المكان لكنيسته.
وعزّ ذلك على العرب الذين رضعوا لبان حبّ الكعبة وتعظيمها، لا يعدلون بها بيتا، ولا يرون عنها بديلا، وشغلهم ذلك، وتحدثوا به،
(1) سيرة ابن هشام: ج 1، ص 49- 50.
فخرج كنانيّ، ودخل الكنيسة، وأحدث فيها، فغضب عند ذلك أبرهة، وحلف ليسيرنّ إلى البيت حتى يهدمه «1» .
ثمّ سار وخرج معه بالفيل، وتسامعت به العرب، فنزل عليهم كالصّاعقة، وأعظموه، وفزعوا له، وأرادوا كفّه عن ذلك ومحاربته، فرأوا أن لا طاقة لهم بأبرهة وجنوده، فوكّلوا الأمر إلى الله تعالى، وكانوا على ثقة بأنّ للبيت ربّا سيحميه.
وانحازت قريش إلى شعف «2» الجبال والشّعاب، تخوّفا عليهم من معرّة الجيش، ينظرون ماذا سيصنع الله بمن اعتدى على حرمته، وقام عبد المطلب، ومعه نفر من قريش، فأخذوا بحلقة باب الكعبة، يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده.
وأصبح أبرهة متهيّئا لدخول مكّة، وهو مجمع لهدم البيت، وهيّأ فيله، وكان اسم الفيل «محمودا» وبرك الفيل في طريق مكّة، وضربوا الفيل ليقوم، فأبى، ووجّهوه راجعا إلى اليمن، فقام يهرول.
وهنالك أرسل الله تعالى عليهم طيرا من البحر، مع كلّ طائر منها أحجار
(1) يمكن أن يكون السبب في حملة أبرهة أهمّ وأوسع من حادث أريد به تنجيس معبد، وأن يكون قصد أبرهة فتح مكة لربط اليمن ببلاد الشام، وتوسيع حكم النصرانية، ونفوذها في الجزيرة العربية، وكان ذلك في صالح الروم والحبش؛ وهم نصارى على السواء، وكانت هذه الخطة- مهما كانت الدوافع إليها- تؤدّي إلى خراب البيت الذي قدّر له أن يكون هدى ومثابة للناس، ورمز النبوة الأخيرة؛ وتجريد مكة من سيادتها الروحية، وذلك ما لا يرضاه الله. ويجوز أن يكون الروم هم المحرضين لأبرهة على فتح مكة، لماربهم السياسية، ومنها إضعاف نفوذ الفرس المنافس الوحيد للنفوذ الرومي على بلاد العرب.
(2)
[الشّعف: جمع الشّعفة، وهي من كل شيء: أعلاه] .