الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فحمي عمرو عند ذلك، فاقتحم عن فرسه، فعقره، وضرب وجهه، ثمّ أقبل على عليّ- رضي الله عنه فتنازلا وتجاولا فقتله عليّ- رضي الله عنه «1» وكان من فوارسهم نوفل بن مغيرة قد اقتحم الخندق بفرسه، فتورط فيه، فقتل هنالك، وخرجت خيلهم منهزمة، حتّى اقتحمت من الخندق هاربة.
أمّ تحرّض ابنها على القتال والشهادة:
تقول عائشة- أمّ المؤمنين- رضي الله عنها وكانت مع نسوة مسلمات في حصن بني حارثة وذلك قبل أن يضرب عليهنّ بالحجاب: مرّ سعد بن معاذ وعليه درع قصيرة، قد خرجت منها ذراعه كلّها، وهو يرتجز، فقالت له أمّه: الحق يا بنيّ فقد والله أخرت. قالت عائشة: فقلت لها: يا أمّ سعد! والله لو ددت أن درع سعد كانت أسبغ مما هي.
وكان ما تخوّفته عائشة- رضي الله عنها فرمي سعد بن معاذ بسهم فقطع منه الأكحل «2» ، ومات شهيدا في غزوة بني قريظة «3» .
ولله جنود السموات والأرض:
أحاط المشركون بالمسلمين، حتّى جعلوهم في مثل الحصن من كتائبهم، فحاصروهم قريبا من شهر، وأخذوا بكلّ ناحية، واشتدّ البلاء، وتجهّر النفاق، واستأذن بعض الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذهاب إلى المدينة
(1) ابن كثير: ج 3، ص 202- 203 [أخرج الحاكم هذه القصة في «المستدرك» (3/ 32) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، صحّحه الذهبي ووافقه] .
(2)
الأكحل: عرق في الذراع.
(3)
ابن كثير: ج 3، ص 207 [أخرج هذه القصة أحمد في مسنده (6/ 141) من حديث عائشة رضي الله عنها، وذكرها الهيثمي في المجمع (6/ 136- 138) ] .
وقالوا: إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً [الأحزاب: 13] .
وبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما وصف الله من الخوف والشدّة، إذ جاءه نعيم بن مسعود الغطفانيّ، فقال: يا رسول الله! إنّي قد أسلمت، وإنّ قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني ما شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنّما أنت فينا رجل واحد، فخذّل عنّا إن استطعت، فإنّ الحرب خدعة» .
فخرج نعيم بن مسعود، فأتى بني قريظة، وتكلّم معهم بكلام جعلهم يشكّون في صحّة موقفهم وولائهم لقريش وغطفان الذين ليسوا من أهل البلد، وعدائهم للمهاجرين والأنصار، الذين هم أهل الدار وجيرانهم الدائمون، وأشار عليهم بألّا يقاتلوا مع قريش وغطفان حتّى يأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونوا بأيديهم ثقة لهم، فقالوا له: لقد أشرت بالرأي.
ثمّ خرج حتى أتى قريشا، فأظهر لهم إخلاصه ونصيحته، وأخبرهم بأنّ اليهود قد ندموا على ما فعلوا، وسيطلبون منهم رجالا من أشرافهم تأمينا للعهد، وسيسلمونهم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيضربون أعناقهم ثم خرج إلى غطفان وقال لهم مثل ما قال لقريش، فكان كلا الفريقين على حذر، وتوغّرت صدورهم على اليهود، ودبّت الفرقة بين الأحزاب، وتوجّس كلّ منهم خيفة من صاحبه «1» .
ولمّا طلب أبو سفيان ورؤوس غطفان معركة حاسمة بينهم وبين المسلمين تكاسل اليهود، وطلبوا منهم رهنا من رجالهم، فتحقّق لقريش وغطفان صدق ما حدّثهم به نعيم بن مسعود، وامتنعوا عن تحقيق طلبهم، وتحقق لليهود صدق حديثه كذلك، وهكذا تخاذل بعضهم عن بعض وتمزّق الشمل وتفرّقت الكلمة.
(1)[انظر خدعة نعيم بن مسعود وللأحزاب فيما أخرجه عبد الرزاق في مصنّفه مرسلا برقم (9737) ] .
وكان من صنع الله لنبيّه أن بعث الله على الأحزاب الريح في ليال شاتية باردة شديدة البرد، فجعلت تقلب قدورهم وتطرح أبنيتهم، وقام أبو سفيان، فقال: يا معشر قريش! إنّكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخفّ، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدّة الريح ما ترون، ما تطمئنّ لنا قدور، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا، فإنّي مرتحل.
وقام أبو سفيان إلى جمله وهو معقول، فجلس عليه، ثم ضربه فما أطلق عقاله إلّا وهو قائم.
وسمعت غطفان بما فعلت قريش، فانشمروا راجعين إلى بلادهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلّي، وأخبره حذيفة بن اليمان الذي أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم عينا إلى الأحزاب ينظر له ما فعل القوم، ثمّ يرجع، فأخبره بما رأى «1» ، فلمّا أصبح انصرف عن الخندق راجعا إلى المدينة، وانصرف المسلمون ووضعوا السلاح «2» ، وصدق الله العظيم:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً [الأحزاب: 9] .
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً [الأحزاب: 25] .
ووضعت الحرب أوزارها، فلم ترجع قريش بعدها إلى حرب
(1) اقرأ القصة بطولها في صحيح مسلم [في كتاب الجهاد] ، باب «غزوة الأحزاب» [برقم (1788) ، وفي مسند أحمد (5/ 392- 393) من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه] .
(2)
اقرأ للتفصيل ابن كثير: ج 3، ص 214- 221، رواية عن ابن إسحاق.
المسلمين، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا، ولكنّكم تغزونهم» «1» .
واستشهد من المسلمين يوم الخندق سبعة على أكثر تقدير، وقتل من المشركين أربعة «2» .
(1) سيرة ابن كثير: ج 3، ص 221.
(2)
المصدر السابق: ج 3، ص 222 [وأخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب غزوة الخندق..، برقم (4110) وأحمد في المسند (4/ 262) و (6/ 394) والطبراني في الكبير برقم (6484) في حديث سليمان بن صرد بلفظ:«الآن نغزوهم ولا يغزوننا» .