الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمّا الصّينيون فكانوا يعتبرون الإمبراطور ابن السّماء، ويعتقدون أنّ السماء ذكر والأرض أنثى، وباتصالهما خلق هذا الكون، وأنّ الإمبراطور ختا الأول هو بكر هذين الزوجين «1» .
أمّا العرب فكانوا يعتبرون كلّ من سواهم «العجم» وكانت قبيلة قريش ترى نفسها أشرف قبائل العرب، وتحافظ على امتيازها في الموسم، فلا تشارك الناس في مواقفهم ومساكنهم «2» ، ولم تكن تدخل عرفات «3» مع الحجيج، بل تبقى في الحرم وتقف بالمزدلفة، وتقول: نحن أهل الله في بلدته، وقطّان بيته، وتقول: نحن حمس «4» «5» .
3- إعلان كرامة الإنسان وسموّه:
والمنّة الثالثة العظيمة على النوع البشريّ، هو إعلان كرامة الإنسان وسموّه، وشرف الإنسانيّة وعلوّ قدرها: لقد بلغ الإنسان قبل البعثة المحمديّة إلى حضيض الذلّ والهوان، فلم يكن على وجه الأرض شيء أصغر منه وأحقر، وكانت بعض الحيوانات «المقدّسة» وبعض الأشجار «المقدّسة» التي علقت بها أساطير ومعتقدات خاصة أكرم وأعزّ عند عبّادها، وأجدر بالصيانة، والمحافظة عليها من الإنسان، ولو كان ذلك على حساب قتل الأبرياء، وسفك الدماء.
(1) انظر «تاريخ الصين» بقلم جيمس كاركون.
(2)
انظر كتب الحديث والسيرة.
(3)
عرفات خارج الحرم.
(4)
[والحمس: قريش وما ولدت] .
(5)
[أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب التعجيل إلى الموقف، برقم (1665) ، ومسلم في كتاب الحج، باب في الوقوف، وقوله تعالى ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ. برقم (1219) ، من حديث عائشة رضي الله عنها] .
وكانت تقدّم لها القرابين من دم الإنسان ولحمه من غير وخز ضمير وتأنيب قلب، وقد رأينا بعض نماذجها وصورها البشعة في بلاد متقدّمة راقية، كالهند في القرن العشرين.
فأعاد سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى الإنسانيّة كرامتها وشرفها، وردّ إليها اعتبارها وقيمتها، وأعلن أنّ الإنسان أعزّ وجود في هذا الكون، وأغلى جوهر في هذا العالم، وليس هنا شيء أشرف وأكرم، وأجدر بالحبّ، وأحقّ بالحفاظ عليه من هذا الإنسان، إنّه رفع مكانته حتى صار الإنسان خليفة الله ونائبه، خلق له العالم، وهو خلق لله وحده، هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [البقرة: 29] ، وأنّه أشرف خلق الله، وفي مكان الرئاسة والصدارة:
* وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا [الإسراء: 70] .
وليس أدلّ على كرامته والاعتراف بعظمته من قوله: «الخلق عيال الله، فأحبّ النّاس إلى الله من أحسن إلى عياله» «1» .
وليس هنا أبلغ في الدلالة على سموّ الإنسانيّة، والتقرّب إلى الله بخدمتها، والعطف عليها، من الحديث الذي رواه أبو هريرة- رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:
«إنّ الله عز وجل يقول يوم القيامة: يابن آدم، مرضت فلم تعدني!.
قال: يا ربّ كيف أعودك وأنت ربّ العالمين؟
(1)[أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 356) برقم (5541) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه] .
قال: أما علمت أنّ عبدي فلانا مرض فلم تعده! أما علمت أنّك لو عدته لوجدتني عنده.
يابن آدم، استطعمتك فلم تطعمني!
قال: يا ربّ كيف أطعمك وأنت ربّ العالمين؟
قال: أما علمت أنّه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنّك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي.
يابن آدم، استسقيتك فلم تسقني.
قال: يا ربّ كيف أسقيك وأنت ربّ العالمين؟
قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما علمت أنّك لو سقيته لوجدت ذلك عندي» «1» .
هل يتصوّر إعلان أوضح وأفصح بسموّ إنسانيته، وعلوّ مكانة الإنسان من هذا الإعلان؟
وهل فاز الإنسان بهذه المكانة السامقة والشرف العالي في أيّ ديانة وفلسفة في العالم القديم والحديث؟.
إنّه صلى الله عليه وسلم جعل الرحمة على بني آدم الشرط اللازم لجلب رحمة الله، فقال عليه السلام:«الرّاحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» «2» .
(1) أخرجه مسلم في صحيحه [في كتاب البر والصلة، باب فضل عيادة المريض، برقم (2569) ] .
(2)
أخرجه أبو داود [في كتاب الأدب، باب في الرحمة، برقم (4931) ، والترمذي في أبواب البر والصلة، باب ما جاء في رحمة الناس، برقم (1924) من حديث عائشة رضي الله عنها، وقال: هذا حديث حسن صحيح] .