الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمين من الأنصار مع حجّاج قومهم من أهل الشرك، حتّى قدموا مكة، فواعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة، فلمّا فرغوا من الحجّ، ومضى ثلث اللّيل، اجتمعوا في الشعب عند العقبة، وهم ثلاثة وسبعون رجلا، وامرأتان من النساء، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه عمّه العباس بن عبد المطلب، وهو يومئذ على دين قومه.
وتكلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلا القرآن، ودعا إلى الله، ورغب في الإسلام ثمّ قال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم، فبايعوه، واستوثقوا منه ألا يدعهم، ويرجع إلى قومه، فوعد بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«أنا منكم وأنتم منّي، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم» .
واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم اثني عشر نقيبا: تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس «1» .
إذن الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة إلى المدينة:
ولمّا بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحيّ من الأنصار على الإسلام، والنصرة له، ولمن اتبعه، فأوى إليهم عدد من المسلمين، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، ومن معه بمكة من المسلمين، بالخروج إلى المدينة، والهجرة إليها واللحوق بإخوانهم من الأنصار وقال:«إنّ الله عز وجل قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها» فخرجوا أرسالا.
(1) سيرة ابن هشام: ج 1؛ ص 441- 443 [انظر تفصيلات بيعة العقبة الثانية في «مسند أحمد» (3/ 322) ، وفي «السّنن الكبرى» للبيهقي (9/ 9) وفي «المستدرك» للحاكم (2/ 924- 925) وغيرهم أخرجوها من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه] .
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ينتظر الإذن من الله في الخروج من مكة والهجرة إلى المدينة.
ولم تكن هجرة المسلمين من مكة هيّنة سهلة تسمع بها قريش، وتطيب بها نفسا، بل كانوا يضعون العراقيل في سبيل الانتقال من مكة إلى المدينة، ويمتحنون المهاجرين بأنواع من المحن، وكان المهاجرون لا يعدلون عن هذه الفكرة، ولا يؤثرون البقاء في مكّة، مهما دفعوا من قيمة، فمنهم من كان يضطرّ إلى أن يترك امرأته وابنه في مكّة، ويسافر وحده، كما فعل أبو سلمة، ومنهم من كان يضطرّ إلى أن يتنازل عن كلّ ما كسبه في حياته وجمعه من ماله، كما فعل صهيب رضي الله عنه.
قالت أمّ سلمة- رضي الله عنها: لمّا أزمع أبو سلمة- رضي الله عنه الخروج إلى المدينة، رحّل لي بعيره، ثم حملني عليه وجعل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري، ثمّ خرج يقود بي بعيره، فلمّا رأته رجال بني المغيرة قاموا إليه فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه علام نتركك تسير بها في البلاد؟ قالت: فنزعوا خطام البعير من يده، وأخذوني منه.
قالت: وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد رهط أبي سلمة وقالوا: والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا، فتجاذبوا ابني سلمة بينهم حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسني بنو المغيرة عندهم.
وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة، ففرّق بيني وبين ابني وبين زوجي، فكنت أخرج كلّ غداة، فأجلس في الأبطح، فما أزال أبكي حتى أمسي، سنة أو قريبا منها، حتى مرّ بي رجل من بني عمّي أحد بني المغيرة، فرأى ما بي، فرحمني، فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينة،
فرّقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها؟ فقالوا: الحقي بزوجك إن شئت، فردّ بنو الأسد إليّ عند ذلك ابني، فارتحلت بعيري، ثمّ أخذت ابني فوضعته في حجري، ثمّ خرجت أريد زوجي بالمدينة، وما معي أحد من خلق الله، حتّى إذا كنت ب «التنعيم» لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبد الدّار، فقال: إلى أين يا ابنة أبي أمية؟
قلت: أريد زوجي بالمدينة.
قال: أو ما معك أحد؟
قلت: ما معي أحد إلّا الله وابني هذا.
فقال: والله ما لك من مترك، فأخذ بخطام البعير، فانطلق معي يهوي بي، فو الله ما صحبت رجلا من العرب قطّ أرى أنّه كان أكرم منه، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي، ثمّ استأخر عنّي، حتّى إذا نزلت استأخر ببعيري، فحطّ عنه، ثمّ قيده في الشجر، ثمّ تنحّى إلى شجرة، فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح، قام إلى بعيري فقدّمه، فرحله، ثمّ استأخر عنيّ وقال: اركبي، فإذا ركبت فاستويت على بعيري، أتى فأخذ بخطامه، فقادني حتّى ينزل بي، فلم يزل يصنع ذلك بي حتّى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف ب «قباء» قال: زوجك في هذه القرية- وكان أبو سلمة بها نازلا- فادخليها على بركة الله، ثمّ انصرف راجعا إلى مكة.
فكانت تقول: ما أعلم أهل بيت في الإسلام، أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحبا قطّ كان أكرم من عثمان بن طلحة «1» .
(1) وأسلم عثمان بن طلحة هذا بعد الحديبية، وهاجر، ودفع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح مفاتيح الكعبة (ابن كثير؛ ج 2، ص 215- 217) .