الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسيلة لواجب فهو واجب، وإن كان وسيلة لمندوب فهو مستحب.
وهذا التعريف غير جامع لدخول الإباحة العقلية فيه، وهي غير مرادة بالحد هنا، وإنما المراد المباح الشرعي، والإباحة العقلية هي البراءة الأصلية، وهي الحكم قبل ورود الشرع، ورفعها لا يكون نسخا، فتحريم الربا لم يكن ناسخا لإباحته في أول الإسلام؛ لأنه إباحته كانت عقلية لا شرعية، وقد يجاب عن ذلك بأن المقصود آصالة من بداية هذا المبحث هو تعريف الأحكام الشرعية لا العقلية، والمقصود هنا تعريف الإباحة الشرعية فلا وجه لتوهم دخول الإباحة العقلية في التعريف.
وعلى فرض صحة هذا التعقب فالأولى تعريفه بأنه: (خطاب الشارع بالتخيير بين الفعل والترك من غير بدل)، فصدرناه بأنه خطاب الشارع مشيا على طريقة الأصوليين في تعريف الحكم الشرعي بأنه نفس الخطاب، وأيضا لإخراج الإباحة العقلية، فإنها غير منسوبة للشرع، والقيد الأخير ليخرج الواجب الموسع في أول الوقت، والواجب المخير (1).
المباح حكم شرعي:
قال الآمدي في "إحكامه"(1/ 168): (اتفق المسلمون على أن الإباحة من الأحكام الشرعية خلافا لبعض المعتزلة مصيرا منه إلى أن المباح لا معنى له سوى ما انتفى الحرج عن فعله وتركه، وذلك ثابت قبل ورود الشرع وهو مستمر بعده فلا يكون حكما شرعيا، ونحن لا ننكر أن انتفاء الحرج عن الفعل والترك ليس بإباحة شرعية وإنما الإباحة الشرعية خطاب الشارع بالتخيير على ما قررناه، وذلك غير ثابت قبل ورود الشرع، ولا يخفى الفرق بين القسمين، فإذا ما أثبتناه من الإباحة الشرعية لم يتعرض لنفيها وما نفي غير ما أثبتناه).
هل يدخل المباح في الأحكام التكليفية
؟
قال الشيخ: (المباح مادام على وصف الإباحة فإنه لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب).
(1) انظر الإحكام للآمدي (1/ 168).
هذا كالشرح لكلمة بذاته. ومن هنا ومن كونه لا يتعلق به أمر ولا نهي فهو لا يدخل في الأحكام التكليفية ويسمى الحكم التخييري، وهو ظاهر كلام الشيخ العثيمين حيث أنه عرف الحكم الشرعي اصطلاحا بقوله:(ما اقتضاه خطاب الشرع المتعلق بأفعال المكلفين من طلب أو تخيير أو وضع) فالطلب الحكم التكليفي، والتخيير المباح والثالث الوضعي.
قال الشنقيطي في المذكرة (ص/8): (وحده - أي التكليف - في الاصطلاح قيل: إلزام ما فيه مشقة، وقيل طلب ما فيه مشقة (1)، فعلى الأول لا يدخل في حده الا الواجب والحرام إذ لا إلزام بغيرهما وعلى الثاني يدخل معهما المندوب والمكروه لأن الأربعة مطلوبة، وأما الجائز فلا يدخل في تعريف من تعاريف التكليف إذ لا طلب به أصلا، فعلا ولا تركا، وإنما أدخلوه في أقسام التكليف مسامحة وتكميلا للقسمة المشار إليها بقول المؤلف (وجه هذه القسمة أن خطاب الشرع أما أن يرد باقتضاء الفعل أو الترك أو التخير بينهما فالذي يرد باقتضاء الفعل أمر فأن اقترن به إشعار بعدم العقاب على الترك فهو ندب وإلا فيكون إيجابا والذي يرد باقتضاء الترك نهى فإن أشعر بعدم العقاب على الفعل فكراهة وإلا فحظر) كلامه واضح). يعني وتتمة القسمة فإن ورد بالتخيير فهو مباح.
وقال الشيخ النملة في "إتحاف ذوي البصائر في شرح روضة الناظر"(2/ 53): (الإباحة ليست تكليفا ولا تدخل تحت الأحكام التكليفية، وهذا مذهب جمهور العلماء وهو الصحيح؛ لأن التكليف هو: طلب ما فيه كلفة ومشقة بصيغة الأمر أو النهي، والإباحة ليس فيها مشقة
…
).
وذهب البعض إلى إدخال المباح في الأحكام التكليفية وذلك راجع إلى تعريف التكليف عندهم.
قال الشيخ في "الشرح"(ص/49): (التكليف .. معناه: ليس هو المُشِّق على الإنسان! لكن الذي يتعلق بفعل المكلفين، سواء كان مباحًا أو واجبًا أو محرمًا أو مكروهًا
…
(1) وقد سبق مناقشة هذه المسألة.
فبعض العلماء يقولون: نعم (1). وأجاب عن هذا بجوابين (2)، الجواب الأول: أن المراد بالتكليف التزام الشرع ولو كان الشيء مباحًا، وبعضهم أجاب قال: إن المباح فيه شيء من التكليف، وذلك باعتقاد إباحته، وفعله على سبيل الإباحة).
والقول الأول الذي ذكره الشيخ هو نحو قول المجد، حيث قال في المسودة (ص/32):(والتحقيق في ذلك عندي أن المباح من أقسام (أحكام) التكليف بمعنى أنه يختص بالمكلفين أي أن الإباحة والتخيير لا يكون الا لمن يصح إلزامه بالفعل أو الترك فأما الناسي والنائم والمجنون فلا إباحة في حقهم كما لا حظر ولا إيجاب فهذا معنى جعلها في أحكام التكليف لا بمعنى أن المباح مكلف به).
وفيه بعد فالناظر في عبارته يجد أنه ربط بين الأحكام التكليفية الخمسة بالقدر المشترك بينهم وهو المكلف، وهذا خارج عن محل النزاع فإن الكلام إنما هو بالنظر إلى ذات الفعل لا إلى الفاعل.
وأما ما نقله الشيخ عن البعض من قولهم: (أن المراد بالتكليف التزام الشرع ولو كان الشيء مباحًا) فلم أقف على قائله مع ما فيه من نظر، فمعنى الالتزام ينافي التخيير الذي في المباح، وقد سبق ذكر أن من معاني الواجب اللزوم، ولذا تجد ابن عقيل عندما عرف الواجب قال:(إلزام الشرع)، وقد سبق الكلام عليه.
وقد يكون المراد بالتزام الشرع الثبوت والدوام على أحكامه، بمعنى أنه يسير على نهجه، ولما كان المباح حكما شرعيا فيدخل في تعريف التكليف الذي ذكره الشيخ بأنه: التزام الشرع. ولا يخلو هذا أيضا فيه نظر؛ إذ أن الالتزام يكون لما فيه طلب بالفعل أو الترك، والمباح ليس فيه واحد منهما.
وأما القول الثالث الذي نقله الشيخ عن البعض من أن المباح فيه شيء من التكليف، وذلك باعتقاد إباحته، وفعله على سبيل الإباحة) فهو ضعيف قال الشيخ في "الأصل" (ص/10) وهو يعرف الحكم الشرعي بقوله (المتعلق بأفعال المكلفين):(فخرج به ما تعلق بالاعتقاد فلا يسمى حكماً بهذا الاصطلاح).
(1) ظاهر الكلام أن المراد الموافقة على دخول المباح في الأحكام التكليفية، وفي الشريط الأصل سؤالا لبعض الحاضرين، ولكنه بصوت غير مسموع.
(2)
أي توجيهاتهم لدخول المباح في الأحكام التكليفية.