الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر الشيخ هنا بعض أنواع النسخ باعتبار الناسخ، وهناك أنواعا أخرى جائزة في المذهب لم يذكرها الشيخ، منها: نسخ متواتر السنة بمتواترها، ونسخ آحاد بمتواتر من السنة، وقاعدة المذهب أنه يشترط أن يكون المنسوخ مثل الناسخ أو أعلى منه، وأما دونه فقد سبق تفصيل الخلاف فيها وبيان أن الراجح الجواز، وفي المذهب يجوز نسخ الفحوى والنسخ بها، ويجوز نسخ حكم مفهوم المخالفة.
وإليك - زيادة في الفائدة - شيئا من التفصيل في النقاط التالية:
مثل الشيخ لبعض الأنواع، ولم يذكر مثالا لنسخ القرآن بالسنة.
1 - أمثلة لنسخ القرآن بالسنة:
المثال الأول - نسخ قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)[البقرة: 180] بالنسبة للفرع الوارث بآيات المواريث، وكما هو معلوم أن من شروط النسخ التعارض وعدم إمكان الجمع، والجمع ممكن بين هذه الآية وآيات المواريث، فما نسخ وجوبه بقي جوازه أو ندبه - على الخلاف المعروف في المسألة - وعليه فالجمع بينهما ممكن بأن الوصية للوارث جائزة أو مستحبة مع ثبوت الإرث.
إذا تقرر هذا علم أن قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث» (1) إنما نسخ ما بقى من الجواز أو الندب للتحريم فلا يجوز الوصية للفرع الوارث.
قال ابن حزم في "الإحكام"(4/ 511): (ومما نسخ من القرآن بالسنة قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)[البقرة:180] نسخ بعضها قوله صلى الله عليه وسلم لا وصية لوارث وقد قال قوم إن آيات المواريث نسخت هذه الآية.
قال أبو محمد وهذا خطأ محض لأن النسخ هو رفع حكم المنسوخ ومضاد له وليس في آية المواريث ما يمنع الوصية للوالدين والأقربين إذ جائز أن يرثوا ويوصى لهم مع ذلك من الثلث).
(1) صحيح وورد عن عدة من الصحابة منهم: عمرو بن خارجة، وأبي أمامة، وابن عباس، وأنس، وابن عمر، وغيرهم وانظر:"التلخيص"(3/ 1082)، و"الإرواء"(1655).
قال الصنعاني في "سبل السلام"(3/ 106): (والحديث دليل على منع الوصية للوارث وهو قول الجماهير من العلماء. وذهب الهادي وجماعة إلى جوازها مستدلين بقوله تعالى (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت) الآية قالوا ونسخ الوجوب لا ينافي بقاء الجواز. قلنا نعم لو لم يرد هذا الحديث فإنه ناف لجوازها إذ وجوبها قد علم نسخه من آية المواريث
…
) (1).
قال القرطبي في "تفسيره"(2/ 263): (وقال بن عباس والحسن أيضا وقتادة: الآية عامة وتقرر الحكم بها برهة من الدهر ونسخ منها كل من كان يرث بآية الفرائض وقد قيل: إن آية الفرائض لم تستقل بنسخها بل بضميمة أخرى وهي قوله عليه السلام: (إن الله قد أعطى لكل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) رواه أبو أمامة أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح فنسخ الآية إنما كان بالسنة الثابتة لا بالإرث على الصحيح من أقوال العلماء ولولا هذا الحديث لأمكن الجمع بين الآيتين بأن يأخذوا المال عن المورث بالوصية وبالميراث إن لم يوص أو ما بقى بعد الوصية لكن منع من ذلك هذا الحديث والإجماع
…
ونحن وإن كان هذا الخبر بلغنا آحادا لكن قد انضم إليه إجماع المسلمين أنه لا تجوز وصية لوارث فقد ظهر أن وجوب الوصية للأقربين الوارثين منسوخ بالسنة وأنها مستند المجمعين والله أعلم).
المثال الثاني:
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)[المائدة: 6]. وقرأ (وَأَرْجُلَكُمْ) بالجر وهي قراءة ابن كثير وحمزة وأبي عمرو وعاصم في رواية أبي بكر.
وقد روي المسح على القدمين عن علي وابن عباس وأنس رضي الله عنهم وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك (2).
ورواية الجر هذه تأولها قوم على المسح على الخفين، وذهب الطحاوي وابن حزم إلى أنها في مسح الرجلين وأنها منسوخة.
(1) انظر نيل الأوطار (6/ 152).
(2)
انظر الفتح (1/ 266).
قال ابن حزم في " الإحكام"(4/ 510): (ومما نسخت فيه السنة القرآن قوله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ
…
) الآية) فإن القراءة بخفض أرجلكم وفتحها كلاهما لا يجوز إلا أن يكون معطوفا على الرؤوس في المسح ولا بد لأنه لا يجوز البتة أن يحال بين المعطوف والمعطوف عليه بخبر غير الخبر عن المعطوف عليه لأنه إشكال وتلبيس وإضلال لا بيان لا تقول ضربت محمدا وزيدا ومررت بخالد وعمرا وأنت تريد أنك ضربت عمرا أصلا (1) فلما جاءت السنة بغسل الرجلين صح أن المسح منسوخ عنهما.
وهكذا عمل الصحابة رضي الله عنهم فإنهم كانوا يمسحون على أرجلهم حتى قال عليه السلام ويل للأعقاب والعراقيب من النار
…
).
قال الطحاوي في " شرح معاني الآثار - (1/ 39): (حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا سهل بن بكار، قال: ثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن يوسف بن ماهك، عن عبد الله بن عمرو، قال: " تخلف عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها فأدركنا وقد أرهقتنا صلاة العصر ونحن نتوضأ ونمسح على أرجلنا، فنادى بلال:" ويل للأعقاب من النار مرتين أو ثلاثا "(2)
…
قال أبو جعفر: فذكر عبد الله بن عمرو أنهم كانوا يمسحون حتى أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسباغ الوضوء وخوفهم فقال: " ويل للأعقاب من النار " فدل ذلك أن حكم المسح الذي كانوا يفعلونه قد نسخه ما تأخر عنه مما ذكرنا ، فهذا حكم هذا الباب من طريق الآثار).
(1) والصواب أن قراءة النصب ثابتة وهي تدل على الغسل، فالغسل ثابت بالقرآن، والعرب لا تفصل بين المتماثلات إلا لعلة وهي الترتيب هنا، قال الشنقيطي في " أضواء البيان" (1/ 330): (أما قراءة النصب: فلا إشكال فيها لأن الأرجل فيها معطوفة على الوجوه وتقرير المعنى عليها: {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برءوسكم} .
وإنما أدخل مسح الرأس بين المغسولات محافظة على الترتيب لأن الرأس يمسح بين المغسولات ومن هنا أخذ جماعة من العلماء وجوب الترتيب في أعضاء الوضوء حسبما في الآية الكريمة).
(2)
رواه البخاري (1/ 33) حديث رقم (60)، ومسلم (1/ 214) حديث رقم (241).