الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومع التسليم بأن المراد بالمطهرين: الملائكة، كما هو قول جمهور المفسرين، فإنه يمكن الاستدلال بالآية بقياس بني آدم على الملائكة، أو كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية (من باب التنبيه والإشارة؛ لأنه إذا كانت الصحف التي في السماء لا يمسها إلا المطهرون، فكذلك الصحف التي بأيدينا من القرآن لا ينبغي أن يمسها إلا طاهر، والحديث مشتق من هذه الآية).
وليس الغرض التعرض لمناقشة هذه المسألة وإنما الغرض معرفة كيفية الاستدلال بالآية في محل النزاع (1).
الحقيقة والمجاز
بعد أن تكلم الشيخ عن تقسيم الكلام من حيث إمكان وصفه بالصدق وعدمه (خبر، وإنشاء) ثم تكلم عن تقسيم الكلام باعتبار آخر وهو من حيث الاستعمال وقسمه بهذا الاعتبار إلى حقيقة ومجاز، وفي كلامه مسائل.
بيان لابد منه:
المستقرئ للجانب التاريخي لظهور المجاز يجد أن العرب لم يعرف عنهم تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز ولم يذكر عنهم التعبير بلفظ المجاز الذي هو قسيم الحقيقة عند أهل الأصول، وإنما هذا اصطلاح حدث بعد القرون المفضلة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في مجموع الفتاوى (7/ 88، 89)، (12/ 277):(فهذا التقسيم اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة لم يتكلم به أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ولا أحد من الأئمة المشهورين في العلم، .. بل ولا تكلم به أئمة اللغة، .. ولا من سلف الأمة، وعلمائها وإنما هو اصطلاح حادث، .. فإن تقسيم الألفاظ إلى حقيقة، ومجاز إنما اشتهر في المائة الرابعة، وظهرت أوائله في المائة الثالثة، وما علمته موجودا في المائة الثانية)(2).
وقد اختلف العلماء في المجاز بين مجيز، ومانع، ومفصل فالجمهور على الجواز
(1) وقد بحث الشيخ: عمر بن محمد السبيل هذه المسألة ورجح تحريم مس المصحف للمحدث حدثا أصغر، فلينظر بحثه.
(2)
وانظر أيضا: مختصر الصواعق المرسلة (2/ 5).
والوقوع مطلقا، وذهب بعض العلماء والمحققين منهم أبو إسحاق الاسفرائيني من الشافعية، وأبو علي الفارسي من أهل اللغة وتقي الدين وتلميذه ابن القيم والشنقيطي إلى المنع مطلقا، وذهب بعض العلماء منهم داود بن علي، ومن الشافعية ابن القاص، ومن المالكية ابن خويز منداد، ومن الحنابلة جمع منهم: أبو الفضل التميمي، وأبو عبد الله بن حامد وأبو الحسن الخرزي، وغيرهم إلى المنع في القرآن وحده دون اللغة، وانفرد داود الظاهري بالقول بالمنع في القرآن والسنة دون غيرهما، وذهب ابن حزم إلى التفصيل بين ما فيه حكم شرعي وغيره، فما فيه حكم شرعي لا مجاز فيه وما لا فلا.
والشيخ العثيمين كان يرى القول الأول وهو الجواز والوقوع مطلقا ثم تبين له قول تقي الدين ووجهه فرجع إليه.
قال في "شرح الأصول"(ص/119): (على كل حال نحن وضعنا في هذا الكتاب الحقيقة والمجاز وهو من تأليفنا لكن إنما وضعناه قبل أن يتبين لنا الصحة، أو يتبين لنا بيانا واضحا أنه لا مجاز).
وقال في الأصل: (تقسم الكلام إلى حقيقة ومجاز هو المشهور عند أكثر المتأخرين في القرآن وغيره، وقال بعض أهل العلم لا مجاز في القرآن، وقال آخرون لا مجاز في القرآن ولا في غيره وبه قال أبو إسحاق الاسفرائيني ومن المتأخرين محمد الأمين الشنقيطي، وقد بين شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم أنه اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة المفضلة، ونصره بأدلة قوية كثيرة تبين لمن اطلع عليها أن هذا القول هو الصواب).
ولقد كانت تعجبني طريقة العلامة الشنقيطي رحمه الله في الرد على القائلين بالمجاز في رسالته "منعُ جَوازِ المَجازِ في المُنزَّلِ للتَّعَبُّدِ والإعجَازِ" وذلك ببيان أن كل ما يسميه القائلون بالمجاز مجازاً فهو - عند من يقول بنفي المجاز - أسلوب من أساليب اللغة العربية، وأنها حقائق تكلم بها العرب، ولا يجوز نفيها (1).
والكلام في مناقشة المسألة وأدلة كل فريق يطول وليس هذا محله.
(1) وقد تتبعت في تفسيره "أضواء البيان" كل ما قال فيه أنه من الأساليب، أو الإطلاقات العربية، وأودعته رسالة، وهي مقدمة للطبع بعناية شيخنا محمد بن عبدالحكيم القاضي.