الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العصر ومن يرى أن الإجماع لا ينعقد مع سبق خلاف مستقر من حي أو ميت جوز وقوعه يزيد لم يسبقه خلاف مجتهد مستقر).
وسوف يأتي - بإذن الله - الكلام على المسألتين وإنما الغرض التنبيه على ترجيح الشيخ ووجه إضافة هذا القيد.
3 - قيد عدالة المجتهدين:
اختلف العلماء في اشتراط قيد العدالة للمجتهدين على أقوال خمسة (1).
قال القاضي أبو يعلى في "العدة"(4/ 1139): (ولا يعتبر في صحة انعقاد الإجماع بأهل الضلال والفسق، وإنما الإجماع إجماع أهل الحق، الذين لم يثبت
فسقهم وضلالهم.
وقد قال أحمد رحمه الله، في رواية بكر بن محمد عن أبيه:"لا يشهد عندي رجلٌ، ليس هو عندي بعدل، وكيف أجوز حكمه؟! يعنى: الجَهْمي".
وبهذا قال الرازي والجرجاني. وذهب قوم من المتكلمين إلى أنه يعتد في الإجماع بمن يخالف الحق، كما يعتد بأهل الحق، سواء عظمت معصية المخالف للحق أو لم تعظم.
وهو اختيار أبي سفيان الحنفي.
وذكر الإسفراييني: إن ارتكب بدعة كفر بها لم يعتد بقوله، وإن فسق بها، أو أتى كبيرة يعتد به " (2).
(1) وقد ذكرها، وذكر أدلة كل قول، وناقش بينها: الشيخ سيد أشرف، في رسالته "الإجماع عند الأصوليين"(ص/136) وما بعدها وأيضا الشيخ أحمد عزب في رسالته "الإجماع عند الأصوليين"(ص/116) وما بعدها.
(2)
ثم أخذ يسوق الأدلة على اشتراط عدالة المجتهدين لينعقد بهم الإجماع، وقد تعقب استدلالاته تلميذه الكلوذاني في التمهيد (3/ 253) وما بعدها ورجح عدم اشتراط عدالتهم، ولم أشأ أن استطرد في ذكر هذه الأدلة لأنها غالبها أعم من محل النزاع، ولا يخلو الاستدلال بها على أحد القولين من نظر، حتى أن الشيخ أحمد عزب قال (ص/122):(أن العدالة تشترط للمجمعين؛ لأن الأدلة التي أثبتت حجية الإجماع وإن لم تتضمن نصا اشتراط العدالة لكن يفهم منها ذلك؛ لأن الفاسق غير العدل يحتمل أن يكون كاذبا فيما ادعاه، متبعا في ذلك هواه، فهو ليس أهلا لأن يؤخذ لمخالفته). والتعليل الذي ذكره يقوي وجه الترجيح الذي اخترته وسيأتي قريبا - بإذن الله -. وانظر أيضا: التحبير (4/ 1560)، وشرح الكوكب المنير (2/ 228)، ونزهة الخاطر العاطر (1/ 239).
وقال المجد في "المسودة"(ص/ 297): (ولا يعتد بخلاف الفاسق وبه قال الجرجاني والرازي وأكثر الشافعية وقال أبو سفيان الحنفى وبعض المتكلمين يعتد به واختاره الجوينى وأبو الخطاب كالجوينى وكذلك الاسفرائينى وقال بعض الشافعية يسأل فان ذكر مستندا صالحا اعتد به وإلا فلا بخلاف العدل فانه يعتد بخلافه من غير أن يسأل).
وبيان الراجح عندي يتضح من خلال بيان هذين الأصلين:
الأول - سبق في شرحي للموقظة أن حققت أن مبنى العدالة يدور على ظن
الصدق دون غيره من الشروط كاجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو
بدعة.
الثاني - أن العدالة ليست شرطا في الاجتهاد، وإنما هي شرط في الفتيا، أو الحكم؛ وذلك لأن الفتيا، أو الحكم إنما هي خبر عن حكم الله الذي وصل إليه المجتهد باجتهاده، ويدخل في ذلك إخبارنا عن اجتهاده.
قال الطوفي في " شرح مختصر الروضة"(3/ 43): (ويجاب عما قاله القاضي: بأن العدالة تعتبر للرواية والشهادة، لا للنظر والاجتهاد، وهو المراد في باب الإجماع، وللقاضي أن يقول: هو مخبر عن نفسه بما أدى إليه نظره واجتهاده، وخبره غير مقبول لفسقه).
قال الشنقيطي في "المذكرة": (ص/288): (والعدالة ليست شرطاً في أصل الاجتهاد، وإنما هي شرط في قبول فتوى المجتهد).
وقال السمعاني في " قواطع الأدلة"(2/ 306): (وليس يعتبر في صحة الاجتهاد أن يكون رجلا ولا أن يكون حرا ولا أن يكون عدلا وهو يصح من الرجل والمرأة والحر والعبد والفاسق وإنما تعتبر العدالة في الحكم والفتوى فلا يجوز استفتاء الفاسق وإن صح استفتاء المرأة والعبد ولا يصح الحكم إلا من رجل حر عدل فصارت شروط الفتيا أغلظ من شروط الاجتهاد بالعدالة لما تضمنه من القبول وشروط الحكم أغلظ من شروط الفتيا بالحرية والذكورية لما تضمنه من الإلزام).