الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
، وهو الذي صاروا إليه آخرا، وهذا إجماع معارض للأول، وتعارض الإجماعين باطل، لكن اتفاقهم على أحد القولين بعد اختلافهم في المسألة إجماع صحيح لا يلزم منه محال كاتفاق الصحابة على قتال مانعي الزكاة وعلى أن الأئمة من قريش، وعلى تحريم المتعة، ونظائر ذلك كثيرة، وإنما يصح بتقدير اشتراط انقراض العصر لأن الإجماع الأول لم يستقر إذن حتى يعارض الإجماع الثاني.
والجواب عن هذه الشبهة أن هذه حالة خاصة بخلاف مسألتنا من إجماعهم على أحد القولين، وحالتنا هذه فيها أن الإجماع الأول من حصر الحق في أحد هذين القولين وتسويغ الخلاف فيهما، فهذا الإجماع يكون حجة بشرط ألا يحصل منهم اتفاق على أحد أقوالهم.
وبيان ذلك أن الحق في أحد القولين، فالحق واحد لا يتعدد، فإن ظهر لأحدهما قبل أن ينخرم عصره ظهور حجة أحد القولين أو أن الدليل الذي اعتمد عليه منسوخا جاز له الرجوع عن قوله والاتفاق على القول الذي ظهر دليله.
وليس هذا من مسألة أن يتفقوا بداية على قول، فقد ظهر بالأدلة أن هذا الإتفاق حجة، وأنه معصوم، وأن الحق فيما اتفقوا عليه، وإن لم ينخرم عصرهم.
وعليه فهذه حالة خاصة، فالإجماع الأول الذي انعقد على تسويغ الخلاف في
كلا القولين إنما يكون حجة بشرط ألا يحصل منهم اتفاق على أحد قوليهم قبل أن ينخرم عصرهم.
وبهذا ظهر الفرق بين الحالتين، وأنه لا يقاس أحدهما على الأخرى من اشتراط انخرام العصر في كلاهما.
الإجماع السكوتي:
قال الشيخ: (وإذا قال بعض المجتهدين قولاً أو فعل فعلاً واشتهر ذلك بين أهل الاجتهاد ولم ينكروه مع قدرتهم على الإنكار فقيل: يكون إجماعاً. وقيل: يكون حجة لا إجماعاً. وقيل: ليس بإجماع ولا حجة. وقيل: إن انقرضوا قبل الإنكار فهو إجماع وهذا أقرب الأقوال).
أقوال الحنابلة:
القول الأول - أنه حجة وإجماع:
هو ظاهر كلام أحمد، واختاره القاضي أبو يعلى، وابن عقيل وأبو الخطاب، وابن قدامة، وغيرهم كما يظهر من دفاعهم عن هذا القول. (1)
القول الثاني أنه حجة وليس بإجماع:
والمقصود أنه يكون حجة ظنية لا إجماع قطعي، ونسبه المرداوي، وابن النجار لأحمد وأصحابه (2).
وأما القول الذي اختاره الشيخ من أنهم إن انقرضوا قبل الإنكار فهو إجماع، وعلله في الأصل بقوله:(لأن استمرار سكوتهم إلى الانقراض مع قدرتهم على الإنكار دليل على موافقتهم) وهذا القول هو قول الجبائي المعتزلي واختيار الآمدي (3).
والراجح أن الإجماع السكوتي حجة ظنية - كما سبق الكلام على ذلك عند أنواع الإجماع - ولكن بشروط:
قال المرداوي في "التحبير"(4/ 1604): ({أحمد، وأصحابه، وأكثر الحنفية، والمالكية، وحكي عن الشافعي، وأكثر أصحابه: لو قال مجتهد قولاً وانتشر ولم ينكر قبل استقرار المذاهب فإجماع}. أي: ظني وذلك لأن الظاهر (4) الموافقة لبعد سكوتهم عادة
…
)
ثم قال (4/ 1611): (تنبيه: حيث قلنا: إنه إجماع، أو حجة لا بد يشترط له شروط، منها: كون ذلك في المسائل التكليفية. وأن يكون في محل الاجتهاد. وأن يطلعوا على ذلك. وأن لا يكون هناك أمارة سخط، وإن لم يصرحوا به. وأن يمضي قدر مهل النظر عادة في تلك الحالة. وأن لا ينكر ذلك مع طول الزمان. فخرج ما ليس من مسائل التكليف كما تقدم، وما إذا كان القائل مخالفاً للثابت القطعي فالسكوت عنه ليس دليلا على موافقته، وخرج أيضاً ما لم يطلع عليه الساكتون فإنه
(1) انظر: التمهيد (2/ 223)، العدة (4/ 1170، 1172)، الواضح (5/ 201)، الروضة (ص/151)، شرح مختصر الروضة (3/ 79).
(2)
انظر التحبير (4/ 1604)، شرح الكوكب المنير (2/ 254).
(3)
انظر شرح مختصر الروضة (3/ 79).
(4)
والظهور لا يكفي في كونه إجماعا قطعيا، بل في كونه حجة، وانظر شرح الإيجي على مختصر ابن الحاجب (2/ 248).