الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولأن ذلك يضاف إلى الخطاب، فيقولون: مفهوم الخطاب وفحواه وتنبيهه يدل على ثبوته نطقا.
ولأن ما ثبت باللفظ ليس من شرطه أن توجد صيغة اللفظ فيه، ألا ترى أنه لو قال: اقتلوا أهل الذمة لأنهم كوافر، جاز قتل عبدة الأوثان بهذا اللفظ، وإن لم يتناولهم اللفظ من طريق الصيغة، لكن من طريق العلة والشبه، فكذلك هاهنا
…
) (1).
وقال المرداوي في "التحبير"(6/ 2882): (قوله: {ودلالته لفظية} . اختلف العلماء في دلالة مفهوم الموافقة هل هي لفظية، أو قياس؟ على قولين: أحدهما: أن دلالته لفظية، وهو الصحيح، نص عليه الإمام أحمد، وقاله من أصحابه القاضي أبو يعلى، والشيخ تقي الدين، وابن عقيل، وحكاه عن أصحابنا
…
) (2).
بيان أنواع إلحاق المسكوت بالمنطوق:
تكلم ابن قدامة في "الروضة"(ص/293) على بيان أنه ينقسم إلى مقطوع ومظنون وفي كل منهما إما أن يكون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق، أو مساويا له، فتحصل له أربعة أقسام، ومثَّل لكل بأمثلة، وتعقبه الشنقيطي في بعض هذه الأمثلة، وفي وجه إلحاقها بقسمها، وسوف أنقل كلام الشنقيطي لتحريره.
قال في "المذكرة"(ص/249): (اعلم أولا: أن الإلحاق من حيث هو ضربان: الأول: الإلحاق بنفي الفارق. الثاني: الإلحاق بالجامع وضابط الأول أنه لا يحتاج فيه إلى التعرض للعلة الجامعة، بل يكتفي فيه بنفي الفارق المؤثر في الحكم كإلغاء الفارق بين البول في الماء الراكد، وبين البول في إناء وصبه فيه.
إذا علمت ذلك فاعلم أن التحقيق أن نفي الفارق أربعة أقسام؛ لأن نفيه إما أن يكون قطعياً أو مظنوناً وفي كل منهما أما أن يكون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق، أو مساوياً له. فالمجموع أربعة:
الأول: هو ما كان المسكوت عنه فيه أولى بالحكم من المنطوق مع القطع بنفي الفارق كإلحاق أربعة عدول بالعدلين في قبول الشهادة في قوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ
(1) انظر: روضة الناظر (ص/263).
(2)
انظر أيضا: الواضح لابن عقيل (2/ 50)، والجدل له أيضا (ص/11)، القواعد لابن اللحام (ص/286) وشرح الكوكب (3/ 483)، وغيرها.
عَدْلٍ مِنْكُمْ) [الطلاق: 2] والى مثقال الجبل بمثل الذرة في المؤاخذة في قوله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)[الزلزلة: 7] الآية. وكإلحاق الضرب بالتأفيف في الرحمة في قوله تعالى: (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ)[الإسراء: 23] الآية.
الثاني: هو ما كان المسكوت عنه فيه مساوياً للمنطوق مع القطع بنفي الفارق أيضاً كإلحاق إحراق مال اليتيم وإغراقه بأكله في الحرمة في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا)[النساء: 10] الآية. وكإلحاق صب البول في الماء بالبول فيه. المذكور في حديث: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه. الحديث).
الثالث: هو ما كان المسكوت عنه فيه أولى مع نفي الفارق بالظن الغالب كإلحاق شهادة الكافر بشهادة الفاسق في الرد المنصوص عليه بقوله تعالى: (وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[النور: 4].
لاحتمال الفرق بأن الكافر يحترز عن الكذب لدينه في زعمه والفاسق متهم في دينه، وكإلحاق العمياء بالعوراء في منع التضحية المنصوص في الحديث. فالعمياء أولى بالحكم المذكور من العوراء، ولكن نفي الفارق مظنون ظنا غالبا مزاحما لليقين، وليس قطعياً كما قاله غير واحد، ووجه ذلك أن الغالب على الظن أن علة منع التضحية بالعوراء هي كون العور نقصاً في ثمنها وقيمتها، والعمياء أحرى بذلك من العوراء ولكن هناك احتمال آخر، هو أن تكون العلة هي: أن العور مظنة الهزال لأن العوراء ناقصة البصر إذ لا ترى إلا ما قابل عينها المبصرة ونقص بصرها المذكور مظنة لنقص رعيها، ونقص رعيها مظنة لهزالها، وهذه العلة المحتملة ليست موجودة في العمياء لأن من يعلفها يختار لها أجود العلف، وذلك مظنة السمن.
وبما ذكرنا تعلم أنه لا يلزم من كون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق أن يكون قطعيا، وأنه لا يلزم أيضاً من كونه مساويا أن يكون نفي الفارق ظنيا.
الرابع: هو ما كان المسكوت عنه فيه مساويا للمنطوق به مع كون نفي الفارق مظنونا لا مقطوعا، كإلحاق الأمة بالعبد في سراية العتق المنصوص عليه في العبد في الحديث الصحيح فالغالب على الظن أنه لا فرق في سراية العتق بين الأمة والعبد لأن الذكورة والأنوثة بالنسبة إلى العتق وصفان طرديان لا يعلق بواحد منهما حكم من