الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمثلة:
قال الطوفي في " شرح مختصر الروضة"(3/ 467): (مثال ما خالف نص الكتاب: قولنا: يشترط تبييت النية لرمضان، لأنه صوم مفروض، فلا يصح تبييته من النهار كالقضاء، فيقال: هذا فاسد الاعتبار، لمخالفته نص الكتاب، وهو قوله تعالى:{وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35]، فإنه يدل على أن كل من صام يحصل له الأجر العظيم، وذلك مستلزم للصحة، وهذا قد صام، فيكون صومه صحيحا.
ومثال ما خالف السنة قولنا: لا يصح السلم في الحيوان، لأنه عقد يشتمل على الغرر، فلا يصح، كالسلم في المختلطات، فيقال: هذا فاسد الاعتبار، لمخالفة ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رخص في السلم (1).
ومثال ما خالف الإجماع أن يقول الحنفي: لا يجوز أن يغسل الرجل زوجته؛ لأنه يحرم النظر إليها، فحرم غسلها كالأجنبية فيقال له: هذا فاسد الاعتبار، لمخالفته الإجماع السكوتي، وهو أن عليا غسل فاطمة، ولم ينكر عليه، والقضية في مظنة الشهرة، فكان ذلك إجماعا كما سبق في بابه).
حكمه، ووجوه الجواب عنه:
اعلم أن الأصوليين اتفقوا من ناحية الجملة على القياس إذا خالف أو عارض دليلا أقوى منه فيعد فاسد الاعتبار، ويحكم ببطلانه.
ولكنهم اختلفوا في بيان مراتب القياس من حيث القوة والضعف والجلاء والخفاء، واختلفوا أيضا في مراتب من أخبار الآحاد، وفي تخصيص عموم الكتاب به.
(1) ظاهر عبارته أنه يستدل بالأدلة العامة للترخيص في السلم، والأولى الاعتراض على القياس بما رواه مسلم من حديث أبي رافع رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره فرجع إليه أبو رافع فقال لم أجد فيها إلا خيارا رباعيا فقال (أعطه إياه إن خيار الناس أحسنهم قضاء).
وقد سبق بيان أن القياس له مراتب من حيث القوة والضعف والجلاء والخفاء، فالقياس الذي في معنى الأصل أقوى من القياس الجلي، الجلي أقوى من الخفي، وقياس العلة أقوى من قياس الدلالة.
ثم عند معارضة القياس مع دليل آخر فلابد من النظر إلى قوة النص الذي هو أصل القياس.
ومما سبق يتبين أن الأصوليين متفقون على أن القياس إذا خالف دليلا أقوى منه أنه يصح الاعتراض عليه بفساد الاعتبار، وأنه على المستدل بالقياس أن يجيب عنه بأحد الأجوبة الآتي ذكرها، وإلا فقياسه باطل (1).
قال ابن النجار في " شرح الكوكب"(4/ 239): ("وجوابه" أي وجواب القدح بفساد الاعتبار:
إما "بضعفه" بأن يمنع صحة النص بالطعن في سنده، بأن يقول: لا نسلم صحة تغسيل علي لفاطمة. وإن سلم فلا نسلم أن ذلك اشتهر، وإن سلم فلا نسلم أن الإجماع السكوتي حجة، وإن سلم. فالفرق بين علي وغيره: أن فاطمة زوجته في الدنيا والآخرة بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم، فالموت لا يقطع النكاح بينهما، بخلاف غيرهما.
أو يقول في مسألة السلم: لا نسلم صحة الترخيص في السلم، وإن سلمنا فلا نسلم أن اللام فيه للاستغراق. فلا يتناول الحيوان، وإن صح السلم في غيره.
"أو" ب "منع ظهوره" أي ظهور النص، بأن يقول في مسألة الصوم: لا نسلم أن الآية تدل على صحة الصوم بدون تبييت النية؛ لأنها مطلقة، وقيدناها بحديث (لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل).
"أو" بـ "تأويله" أي تأويل النص، بأن يقول في مسألة الصوم: إن الآية دلت على ثواب الصائم، وإنا لا نسلم أن الممسك بدون تبييت النية صائم، أو يقول: إن النص المعارض للقياس مؤول بدليل يرجحه على الظاهر.
"أو" بـ "القول بموجبه" بأن يقول: أنا أقول بموجب النص، إلا أن مدلوله لا ينافي
(1) انظر: الاعتراضات الواردة على القياس (ص/316).
قياسي، كأن يقول في مسألة الصوم: إن الآية دلت على أن الصائم يثاب وأنا أقول
بموجبه. لكنها لا تدل على أنه لا يلزمه القضاء والنزاع فيه!
"أو" بـ "معارضته" أي معارضة النص "بمثله" أي بنص مثله. فيسلم القياس حينئذ لاعتضاده بالنص الموافق له) أهـ.
ومثال للمعارضة للنص بمثله (1):
قول الحنفي: لا يجوز للإمام أن يحكم في الأسرى بالفداء؛ لأن فيه إعانة لأهل الحرب بالمقاتلين، كإعانتهم بالمال والسلاح.
فيقول المعترض: هذا قياس فاسد الاعتبار؛ لأنه يخالف قوله تعالى: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا)[محمد: 4]
فيجيب المستدل بأن هذه الآية معارضة بآية أخرى، وهي قوله تعالى:(مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ)[الأنفال: 67].
مخالفة القياس لقول الصحابي:
وأما إن عارض قول الصحابي الذي لم يشتهر، ولم يعلم له مخالف القياس فالمسألة خلافية والظاهر عند أحمد حمل قول الصحابي على التوقيف وتقديمه على القياس، وخالف أبو الخطاب (2).
قال القاضي أبو يعلى في "العدة"(4/ 1178): (إذا قال بعض الصحابة قولاً ولم يظهر في الباقين، ولم يعرف له مخالف، فإن كان القياس يدل عليه: وجب المصير إليه والعمل به.
وإن كان القياس يخالفه، فإن كان مع قول الصحابي قياس أضعف منه كان قول الصحابي مع أضعف القياسين أولى؛ لأنه لا يمتنع أن يكون كل واحد منهما حجة حال الانفراد، ثم يصير حجة بالاجتماع
…
وإن لم يكن مع قول الصحابي قياس: ففيه روايتان:
(1) المرجع السابق (ص/323).
(2)
التمهيد (4/ 1180)، وانظر: المسودة (ص/418)، وشرح مختصر الروضة (3/ 186)، وشرح الكوكب (4/ 424)، إجمال الإصابة للعلائي (ص/73).
-إحداهما: أنه حجة، مقدم على، القياس؛ ويجب تقليده. وقد أومأ أحمد رحمه الله إلى هذا في مواضع من مسائله:
فقال في رواية أبي طالب "في أموال المسلمين إذا أخذها الكفار، ثم ظهر عليه المسلمون، فأدركه صاحبه فهو أحق به، وإن أدركه وقد قُسِم فلا حق له، كذا قال عمر، ولو كان القياس كان له. ولكن كذا قال عمر".
وكذلك نقل أبو طالب عنه في رجل يصوم شهرين من كفارة، فتسحر بعد طلوع الفجر وهو لا يعلم، ثم علم: "يقضي يوماً مكانه، وإن أكل ناسياً بالنهار، فليس عليه شيء.
فقيل: فإذا لم يعلم، فهو كالناسي؟. فقال: كذا في القياس، ولكن عمر أكل في آخر النهار يظن أنه ليل، قال: اقض يوماً مكانه".
وفي رواية أخرى: القياس مقدم عليه.
أومأ إليه رحمه الله في مواضع من مسائله
…
نقل المروذي عنه: "ابن عمر يقول: على قاذف أم الولد (1) الحد. وأنا لا أجترئ على ذلك، إنما هي أمة، أحكامها أحكام الإماء".
وهذا صريح من كلامه في أن أقواله ليست بحجة
…
واختلف أصحاب أبي حنيفة، فذهب البَرْدَعى والرازي والجرجاني: إلى أنه حجة، يترك له القياس.
وحكى الرازي عن الكرخى أنه قال: "أما أنا فلا يعجبني هذا المذهب"، وكان لا يرى قول الصحابي فيما يسوغ فيه الاجتهاد حجة.
واختلف أصحاب الشافعي، فقال في القديم: هو حجة. وقال في الجديد: ليس بحجة.
وبه قال عامة المتكلمين من المعتزلة والأشعرية.
فالدلالة على أنه حجة، يُترك له القياس: قوله عليه السلام: (أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم)،
…
) اهـ
ثم أخذ يسوق الأدلة على حجية قول الصحابي، وقد سبق بيان أنه حجة، وهذه
(1) هي الأمة التي يجامعها سيدها فتلد منه، فإن هذه تبقى أم ولد، فإن مات سيدها عتقت، وهناك خلاف بين العلماء فيها هل تلحلق بالحرة أم بالأمة؟؛ لأنها شبيهة بالحرة وفيها شبه بالأمة.