الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النسخ إن علم المتأخر فيكون ناسخا للمتقدم وإلا إذا لم يعلم المتأخر فالحكم الترجيح لأحدهما على الآخر بطريقه إن أمكن ثم الجمع بينهما إن أمكن إذا لم يمكن ترجيح أحدهما على الآخر لأن إعمال كليهما في الجملة حينئذ أولى من إلغاء كليهما بالكلية وإلا إذا لم يعلم المتقدم ولم يمكن ترجيح أحدهما ولا الجمع بينهما تركا أي المتعارضان إلى ما دونهما من الأدلة).
والأولى أن يقدم الجمع على الترجيح؛ لأن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما، وأما الخلاف في تقديم النسخ على الجمع أو العكس فهو من وجهة نظري خلاف لفظي، فإنه إن صحت شروط النسخ (1) لم يمكن الجمع، وإن أمكن الجمع فلا يتحقق النسخ.
قال المرداوي في " التحبير"(6/ 2983): (قوله: {لا نسخ مع إمكان الجمع}؛ لأنا إنما نحكم بأن الأول منسوخ إذا تعذر علينا الجمع بينهما، فإذا لم يتعذر وجمعنا بينهما بمقبول فلا نسخ. قال المجد في ' المسودة ' وغيره: لا يتحقق النسخ إلا مع التعارض، فأما مع إمكان الجمع فلا).
قال ابن الجوزي في "نواسخ القرآن"(ص/23): (الشروط المعتبرة في ثبوت النسخ خمسة: الشرط الأول أن يكون الحكم في الناسخ والمنسوخ متناقضا بحيث لا يمكن العمل بهما جميعا فإن كان ممكنا لم يكن أحدهما ناسخا للآخر
…
).
ماذا يفعل المجتهد إن لم يمكنه الجمع أو الترجيح، ولم يعلم الناسخ:
إذا وجد المجتهد دليلان متعارضان فإنه يجمع بينهما بوجه من وجوه الجمع والتوفيق بين الأدلة، فإن تعذر عليه ذلك - ولم يكن أحدهما منسوخا، فإنه يتوقف عن الاستدلال بأيهما لحين ظهور وجه الجمع بينهما، أو الترجيح لأحدهما على الآخر، وإنما قلنا بالتوقف لأن الحق واحد لا يتعدد، ولم نقل بالتخيير بين أيهما لأن هذا يستلزم تعدد الحق، وأنه ليس محصورا في واحد منهما.
(1) راجع شروط النسخ والتي سبق وأن تكلمنا عنها في باب النسخ.
قال الشيخ الجيزاني في "معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة "(ص / 272): (ولعل الصواب هو التوقف في هذين الدليلين، والبحث عن دليل جديد. وهذا يوافق منهج السلف فإنهم كانوا يطلبون الدليل في القرآن، فإن لم يجدوه في القرآن طلبوه في السنة، فإن لم يجدوه في السنة طلبوه في الإجماع، وهكذا .... ).
وقال الشيخ عياض في "أصوله"(ص/418): (وإذا تحقّقت الشروطُ السابقةُ في الدليلين المتعارضين، فما موقفُ المجتهد؟
اختلف العلماءُ في ذلك:
فذهب بعضهم إلى التخيير، بأنْ يكونَ المكلَّفُ مخيَّراً بين العمل بهذا الدليل أو ذاك، ونُسب للشافعي، واختاره القاضي الباقلانيّ والغزاليّ.
وهذا يُناسبُ القائلين: إن كلَّ مجتهدٍ في الظنيات مصيبٌ، وأن الحقَّ عند الله يُمكنُ أنْ يتعدّدَ. ولا يُناسبَ المُخطِّئةَ.
وذهب بعضُهم إلى التوقُّف، وهو يُناسبُ القولَ بتخطئة بعض المجتهدين، وأن المصيبَ واحدٌ.
وذهب بعضهم إلى أن على المجتهد أنْ يأخذَ بالأشدِّ؛ لأن الحقَّ شديدٌ.
وذهب آخرون إلى أن عليه أنْ يأخذَ بالأيسر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «يَسِّروا، ولا تُعَسِّروا» (متفق عليه عن أنس وأبي موسى).
والراجح - إن شاء الله تعالى - أنْ يُقال: هذا قد يكونُ في حقّ بعض المجتهدين دون بعضٍ؛ ولذا فإن المجتهدَ إذا لم يتّضحْ له رجحانُ أحد المتعارضَينِ يلزمُه أنْ يتوقّفَ ويبحثَ عن دليلٍ آخَرَ، يُؤيِّدُ هذا الدليلَ أو ذاك
…
).
قال الطوفي في "شرح مختصر الروضة"(3/ 617): (إذا تعارض دليلان عند المجتهد، ولم يترجح أحدهما، لزمه التوقف، وهو قول أكثر الحنفية والشافعية، وقال بعض الفئتين»:«يخير بالأخذ بأيهما شاء» .
قلت: ذكر الغزالي بناء ذلك على التعيين والتصويب، فمن قال: المصيب واحد؛ قال: لا تعارض في أدلة الشرع من غير ترجيح، وإنما هذا لعجز المجتهد، فيلزمه التوقف، أو الأخذ بالاحتياط، أو تقليد مجتهد آخر عثر على الترجيح. أما المصوبة، فقال بعضهم: يتوقف، وقال القاضي منهم: يتخير.
قوله: «لنا:» إلى آخره. هذه حجة التوقف. وتقريرها: أن الدليلين إذا تعارضا، فإما أن يعملهما، أي: يعمل بهما جميعا، أو يعمل أحدهما. والأول يوجب الجمع بين النقيضين؛ النفي والإثبات، والتحليل والتحريم، وهو باطل، والثاني ترجيح بلا مرجح، وهو تحكم، «فتعين التوقف على ظهور المرجح» .
ويرد على هذا الدليل أن القسمة فيه غير حاصرة، إذ بقي قسمان آخران:
أحدهما: إهمال الدليلين، والرجوع إلى ما قبل الشرع.
والثاني: التخيير بينهما، وهو مدعى الخصم، والقسمان لم يتعرض فيه لهما.
قوله: «قالوا:» ، إلى آخره. هذه حجة أصحاب التخيير، وهي من وجهين:
أحدهما: أن التوقف إما أن يكون لا إلى غاية، أو إلى غاية، والأول باطل، لأن «التوقف لا إلى غاية تعطيل» للواقعة عن حكم، وربما لم يكن الحكم قابلا للتأخير، والثاني أيضا باطل، لأن غاية التوقف إما مجهولة أو معلومة، والأول ممتنع، لأنه يوقع الجهالة في أحكام الشرع، وليس شأنها ذلك، والثاني باطل أيضا، لأن ظهور المرجح ليس إلى المجتهد، فلا يصح أن تكون غاية التوقف معلومة، وإذا انتفى التوقف إلى غاية أو إلى غير غاية؛ تعين التخيير، وهو أن يعمل بأي الدليلين شاء.
الوجه الثاني: أن الشرع قد ورد بالتخيير، فينبغي أن لا يكون ممتنعا ههنا.
أما ورود الشرع به، ففي صور:
منها: أن المزكي إذا كان عنده مائتان من الإبل، خير بين أن يخرج عنها أربع حقاق، أو خمس بنات لبون؛ على حساب في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة. فقد وجد مقتضى إخراج الحقاق وبنات اللبون.
ومنها: أن العامي إذا أفتاه مجتهدان، يخير بين قوليهما، أو إذا وجد مجتهدين يخير بين استفتاء أيهما شاء.
ومنها: أن المصلي عند الكعبة يتخير في استقبال أي جدرانها شاء.
ومنها: في خصال الكفارة يتخير بين العتق والإطعام والصيام. ونحو هذه الصور من صور التخيير واقع في الشرع.
وأما أنه ينبغي أن لا يمتنع التخيير ههنا، فلأنها صور شرعية، فجاز التخيير فيها كسائر صور الشرع التخييرية.