الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترجيح:
ظهر مما سبق أنه يصح في المذهب استثناء الأقل، ولا يصح استثناء الكل، وأما استثناء النصف ففيه خلاف، وظاهر المذهب أنه يصح، وأما استثناء الأكثر فالراجح في المذهب أنه لا يصح، وما اختاره الشيخ العثيمين من صحة الاستثناء للأكثر هو الأولى، وهو قول أكثر الفقهاء، والمتكلمين، واختاره الغزالي وابن الحاجب، والبيضاوي، وغيرهم (1).
وهناك شروطًا أخرى لصحة الاستثناء لم يتكلم عليها المؤلف كأن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه، وكأن يلي الاستثناء الكلام بلا حرف عطف، وأن لا يكون الاستثناء من شيء معلوم مشار إليه، وأن يكون المستثنى بعضا من المستثنى منه قصدا لا تبعا، وأن ينوي الاستثناء حين النطق بالمستثنى منه
…
ولن نستطرد في الكلام على هذا الشروط؛ لأن هذا يخرجنا عن منهجنا في شرح الكتاب إلا أن مسألة الاستثناء المنقطع تكلم عليها الشيخ في الشرح عند مسألة الفرق بين العام والمطلق، وهي من الأهمية بمكان نظرا لتعلق كثير من الفروع الفقهية بها، وعليه فسوف نناقشها الآن - بإذن الله -.
هل يشترط لصحة الاستثناء أن يكون المستثنى من نفس جنس المستثنى منه
؟
اشترط الحنابلة هذا الشرط ولم يحكموا بصحة الاستثناء المنقطع.
قال ابن بدران في "المدخل" (ص/ 254 (: (يشترط أن لا يكون المستثنى من غير جنس المستثنى منه فلا يصح أن يقال قام القوم إلا حمارا مع إرادة الحقيقة فإن أراد المجاز صح هنا بأن يجعل الحمار كناية عن البليد والكلام هنا في فن الأصول لا في فن النحو لأن كلامنا في التخصيص وعدمه والنحاة يتكلمون على الجواز لغة لا شرعا على أن أهل العربية يسمون الاستثناء من غير الجنس منقطعا ويقدرون إلا فيه بمعنى لكن لاشتراكهما في معنى الاستدراك بها فافترقا وأما قول الخرقي في مختصره ومن أقر بشيء واستثنى من غير جنسه كان استثناؤه باطلا إلا أن يستثني عينا من ورق أو
(1) انظر: المستصفى (1/ 259)، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب (3/ 260)، نهاية السول (2/ 411).
ورقا من عين فإنه راجع إلى الاستثناء من الجنس غاية ما فيه أنه استثنى من الجنس البعيد وهو المال).
وقال المرداوي في "التحبير" (6/ 2548 (: (} أحمد، وأصحابه، ومحمد، وزفر، وحكي عن الأكثر لا يصح الاستثناء من غير الجنس}، حكاه الآمدي عن الأكثر. وذكر التميمي أن أصحاب الإمام أحمد اختلفوا، وقال ابن برهان: قول عدم صحته قول عامة أصحابنا والفقهاء قاطبة، وهو المنصور، نقله ابن مفلح عنه
…
وحكاه جماعة عن أبي حنيفة، واختاره ألكيا، وابن برهان، وحكي عن ابن الباجي، وابن خويزمنداد. وعن الإمام أحمد رحمه الله رواية بصحة استثناء أحد النقدين من الآخر، فإذا قال: له عندي مائة إلا دينارا، أو مائة دينار إلا ألف درهم، صح اختاره الخرقي، وجماعة من أصحابنا، منهم: أبو حفص العكبري والحلواني صاحب ' التبصرة '، وقدمه في ' الخلاصة ' لابن الْمُنَجَّى و ' شرح ابن رزين '.
ثم اختلف الأصحاب في مأخذ هذه الرواية، فقال في ' روضة فقه أصحابنا ' بناء على أنه جنس، أو جنسان، وإن قلنا: هما جنس صح، وإلا فلا. وقال القاضي في ' العدة '، وابن عقيل في ' الواضح ': لأنهما كالجنس في أشياء فكذا في الاستثناء. وقال الموفق في ' المغني ': يمكن حمل هذه الرواية على ما إذا كان أحدهما يعبر به عن الآخر، أو يعلم قدره منه. وقال الطوفي في ' شرح مختصره ' في الأصول: إنما صح ذلك استحسانا، وأجراه بعض أصحابنا على ظاهره، وأنهما نوعان، فيصح استثناء نوع من نوع آخر، فقال: يلزم من هذه الرواية صحة استثناء نوع من آخر. فقال أبو الخطاب: يلزم منها صحة استثناء ثوب ونحوه من دراهم.
وقاله المالكية، وابن الباقلاني، وجماعة من المتكلمين، والنحاة. قال الموفق في ' المغني ': وقال مالك، والشافعي: يصح الاستثناء من غير الجنس مطلقا؛ لأنه ورد في الكتاب العزيز ولغة العرب. انتهى. قال البرماوي: ولهذا نقل الأستاذ أبو إسحاق الاتفاق على صحة الاستثناء من غير الجنس. وللشافعية كالقولين، قاله ابن مفلح، والأشهر عن أبي حنيفة صحته في مكيل أو موزون من أحدهما فقط
…
قوله: {ويشترط لصحته مخالفة في نفي الحكم، أو في أن المستثنى حكم آخر
له مخالفة بوجه}. لابد في الاستثناء المنقطع من مخالفة المستثنى للمستثنى منه في نفي الحكم، نحو: ما جاءني القوم إلا حمارا، أو ما جاء زيد إلا عمرا. أو إن في المستثنى حكم آخر، له مخالفة مع المستثنى منه
…
فائدة: قال ابن قاضي الجبل: ينقسم الاستثناء إلى منقطع ومتصل، وفي ضبط المنقطع إشكال، فكثير من العقلاء يعتقدون أن المنقطع الاستثناء من غير الجنس، وليس كذلك فإن قوله تعالى:(لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى)[الدخان: 56] منقطع على الأصح مع أن المحكوم عليه بعد إلا هو نقيض المحكوم عليه أولا ومن جنسه. وكذلك قوله تعالى: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً)[النساء: 29] منقطع، مع أن المحكوم عليه بعد إلا هو عين الأموال التي حكم عليها قبل إلا، بل المحقق أن يعلم أن المتصل عبارة عن أن تحكم على جنس كما حكمت عليه أولا بنقيض ما حكمت فيه أولا، فمتى انخرم قيد من هذين القيدين كان منقطعا ويكون المنقطع بحكم على جنس كما حكمت عليه أولا بغير ما حكمت عليه أولا، وعلى هذا يكون الاستثناء في الآيتين منقطعا، فإن نقيض (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ) يذوقون فيها الموت ولم يحكم به بل بالذوق في الدنيا، ونقيض:(لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) كلوها بالباطل ولم يحكم به، وعلى هذا تخرج أقوال العلماء في الكتاب والسنة ولسان العرب. انتهى).
فتحصل مما سبق أن القول الصحيح في المذهب هو أنه يشترط لصحة الاستثناء أن يكون المستثنى من نفس جنس المستثنى منه، وأنه لا يصح الاستثناء المنقطع، إلا في النقدين ففي رواية الإمام أحمد جواز استثناء أحد النقدين من الآخر وقد اختلف الأصحاب في توجيه هذه الرواية، واختار أبو الخطاب وغيره إجراءها على ظاهرها وأنهما نوعان فيصح استثناء نوع من آخر كثوب من دراهم كما سبق نقله عن الطوفي.
وهذه الرواية المخرجة على قول الإمام أحمد في النقدين هي الموافقة لقول الجمهور بصحة الاستثناء المنقطع وهذا القول هو الراجح.
قال الشنقيطي في "أضواء البيان"(3/ 466):) قوله تعالى: (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا)[مريم: 62]. ذكر جل وعلا في هذه الآية