الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكم.
وقوله: ("العلة": فهي المعنى الذي ثبت بسببه حكم الأصل)(1):
مثال ذلك إذا قلنا: إن العلة في جريان الربا في البُرِّ أنه مكيل، فنلحق به على هذا كلَّ ما كان مَكيلاً؛ لأن العَلةَ التي أوجَبَتَ الحكَمَ وهو جريان الربا في البُرِّ هي الكيل، فإذا وجدت هذه العلة في أي شيء جرى فيه الربا قياسًا على البُرِّ.
وإذا قلنا إن العلة الطعم ولم نعتبر الكيل، قلنا: يجري الربا في كل مطعوم.
وإن قلنا: الكيل والطعم قلنا: يجري الربا في كل مكيل مطعوم.
فالمهم أن العلة هي الوصف أو المعنى الذي ثبت بسببه حكم الأصل، وبناءً على ذلك فلا قياس في الأمور التعبدية التي لا نعقل علتها لفوات ركن من أركان القياس وهو العلة الجامعة بين الأصل والفرع ولهذا قلنا: وهذه الأربعة أركان القياس).
ملاحظة:
عرف الشيخ القياس بناء على إحدى طريقتي الأصوليين في تعريف القياس، وهي الطريقة التي تنظر للقياس على أنه دليل شرعي مستقل بذاته، سواء تفطن له المجتهد فاستدل به على حكم غير المنصوص أم لم يتفطن له، وجد مجتهد أم لم يوجد، وأما الطريقة الثانية فتنظر إلى القياس على أنه عمل من أعمال المجتهد (2).
قال الشيخ عياض السلمي في "أصوله"(ص/142): (نجد أن للأصوليين اتجاهين رئيسين في تعريفه:
الأول: جعل القياس اسما لفعل المجتهد الذي ينظر في المسألة غير المنصوص على حكمها ليلحقها بالمنصوص عليها.
الثاني: جعل القياس اسما للتساوي الواقع بين المسألتين، سواء تفطن له المجتهد فاستدل به على حكم غير المنصوص أم لم يتفطن له.
وعلى هذا يمكن أن نعرفه بناء على الاتجاه الأول بأنه: إلحاق فرع بأصل في الحكم الشرعي الثابت له لاشتراكهما في علة الحكم.
(1) وسوف يأتي قريبا - بإذن الله - تعالى الكلام على تعريف العلة.
(2)
انظر رسالة "قياس الأصوليين بين المثبتين والنافين" لمحمد عبداللطيف (ص/13، 39).
ومثله التعبير بلفظ: حمل فرع على أصل في حكم
…
الخ. وكذا قولهم: حمل معلوم على معلوم
…
الخ.
وأما على الاتجاه الثاني فيمكن أن يعرف بأنه: مساواة فرع لأصل في حكم شرعي لاشتراكهما في علة الحكم).
والظاهر والله أعلم أن صورة القياس العملية تشمل الطريقتين، فهما يلتقيان في المعنى، وإن اختلفتا في الألفاظ.
وإيضاحه أنه (1) عند النظر في التطبيق العملي لعملية القياس الأصولي نجد أنه لابد فيها من أمرين:
1 -
المساواة في العلة، وهذا المساواة علامة نصبها الشارع لتدل على الحكم، وليس من فعل المجتهد.
2 -
إلحاق أصل وحمل الصورة غير المنصوص عليها بالمنصوص عليها عند المساواة في العلة، وهذا عمل من أعمال المجتهد.
وهكذا نرى أن صورة القياس العملية تشمل التعريفين، وعلى هذا التعريف بالمساواة أو بالإثبات قد تلاقيا في المعنى وإن اختلفا في اللفظ.
قال البناني في "حاشيته على جمع الجوامع"(2/ 203): (وكونه فعل المجتهد لا ينافي أن ينصبه الشارع دليلا إذ لا مانع من أن ينصب الشارع حمل المجتهد الذي من شأنه أن يصدر عنه دليلا سواء وقع أم لا).
وهذا التعميم الذي في كلام البناني يلتقي مع مذهب الحنابلة في مسألة التفويض.
قال المرداوي في "التحبير"(8/ 3995): (يجوز أن يقال لنبي ومجتهد: احكم بما شئت فهو صواب، ويكون مدركا شرعيا، ويسمى التفويض عند الأكثر
…
) وفي المذهب أقوال أخر، وقد سبق الكلام عن التفويض، والصواب أن النبي قد يجتهد، وقد يخطئ، كذا العالم أيضا، والفرق بينهما أن النبي لا يقر على باطل، فإن أخطأ فلا بد وأن ينزل الوحي بتصويبه. وعليه فالعموم الذي في كلام البناني يحمل على ما إذا وقع منه الإصابة لا بمجرد الاجتهاد.
(1) انظر الموازنة بين دلالة النص والقياس الأصولي للدكتور أحمد الصاعدي (2/ 242)، ونقلها عنه فهد الجهني في رسالته "القياس عند الإمام الشافعي"(ص/176).