الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يشك فنحن إذا شككنا في شيء من أمور الدين نرجع إلى الذين يقرؤون الكتاب إلى أهل العلم لنأخذ بما يقولون، إذن هذا عام يشمل مسائل العقيدة.
3 -
أننا لو ألزمنا
العام
ي بمنع التقليد والتزام الأخذ بالاجتهاد لألزمناه بما لا يطيق، وقد قال تعالى:(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)[البقرة: 286].
فالصواب المجزوم به القول الثاني: أن ما يطلب فيه الجزم يكتفي فيه بالجزم سواء عن طريق الدليل، أو عن طريق التقليد).
وقد اختلف العلماء هل يأثم المقلد في أصول الدين مع الحكم بصحة إيمانه أم لا يأثم؟ والراجح أنه لا يأثم إذ أن الاجتهاد ليس في مقدوره و (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)(1).
أنواع التقليد:
قال الشيخ: (التقليد نوعان عام، وخاص:
1 -
فالعام: أن يلتزم مذهباً معيناً يأخذ برخصه وعزائمه في جميع أمور دينه.
وقد اختلف العلماء فيه فمنهم من حكى وجوبه لتعذر الاجتهاد في المتأخرين ومنهم من حكى تحريمه لما فيه من الالتزام المطلق لاتباع غير النبي صلى الله عليه وسلم
ينبغي أن ننتبه إلى أن المقلدين والمجتهدين على طبقات، وقد اصطلحنا على أن منزلة الإتباع تدخل ضمنا في مرتبة التقليد ما لم يُحَصِّل أصحابها ملكة الاستنباط ويحققوا شروط الاجتهاد.
وسبق وأن تكلمت على طبقات المجتهدين، وبينت أن طبقة المجتهد المستقل هو الذي لا يتقيد بمذهب، ولا يقلد أحدا.
وعليه فالأقوى عندي في حكم التمذهب على من دون المجتهد المستقل هو التفصيل: فالعامي أو المقلد الذي لا دراية عنده بالأدلة ولا يملك أي نوع من النظر فهذا الأقوى عندي أنه لا يتمذهب بل إن مذهبه هو مذهب مفتيه، وإنما سمى عاميا اشتقاقا من العمى فهو بيد من أخذ بيده، وهذا هو الأولى في حمل كلام ابن القيم عليه إن
(1) وراجع كلام تقي الدين السابق.
أضفنا إلي ذلك التعصب.
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين"(4/ 261): (وهل يلزم العامي أن يتمذهب ببعض المذاهب المعروفة أم لا فيه مذهبان:
أحدهما - لا يلزمه وهو الصواب المقطوع به إذ لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله ولم يوجب الله ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة فيقلده دينه دون غيره وقد انطوت القرون الفاضلة مبرأة مبرأ أهلها من هذه النسبة بل لا يصح للعامي مذهب ولو تمذهب به فالعامي لا مذهب له؛ لأن المذهب إنما يكون لمن له نوع نظر واستدلال ويكون بصيرا بالمذاهب على حسبه، أو لمن قرأ كتابا في فروع ذلك المذهب وعرف فتاوى إمامه، وأقواله، وأما من لم يتأهل لذلك ألبتة بل قال: أنا شافعي، أو حنبلي، أو غير ذلك لم يصر كذلك بمجرد القول، كما لو قال: أنا فقيه، أو نحوي، أو كاتب لم يصر كذلك بمجرد قوله.
يوضحه أن القائل إنه شافعي أو مالكي أو حنفي يزعم انه متبع لذلك الإمام سالك طريقه وهذا إنما يصح له إذا سلك سبيله في العلم والمعرفة والاستدلال فأما مع جهله وبعده جدا عن سيرة الإمام وعلمه وطريقه فكيف يصح له الانتساب إليه إلا بالدعوى المجردة والقول الفارغ من كل معنى والعامي لا يتصور أن يصح له مذهب ولو تصور ذلك لم يلزمه ولا لغيره ولا يلزم أحدا قط أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة بحيث يأخذ أقواله كلها ويدع أقوال غيره.
وهذه بدعة قبيحة حدثت في الأمة لم يقل بها أحد من أئمة الإسلام وهم أعلى رتبة وأجل قدرا وأعلم بالله ورسوله من أن يلزموا الناس بذلك
…
ومن صحح للعامي مذهبا قال هو قد اعتقد أن هذا المذهب الذي انتسب إليه هو الحق فعليه الوفاء بموجب اعتقاده وهذا الذي قاله هؤلاء لو صح للزم منه تحريم استفتاء أهل غير المذهب الذي انتسب إليه وتحريم تمذهبه بمذهب نظير إمامه أو أرجح منه أوغير ذلك من اللوازم التي يدل فسادها على فساد ملزوماتها بل يلزم منه أنه إذا رأى نص رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قول خلفائه الأربعة مع غير إمامه أن يترك النص وأقوال الصحابة ويقدم عليها قول من انتسب إليه
…
).
وأما من ارتقى عن هذه المنزلة، وله نوع نظر في الأدلة، إلا أنه قاصر عن
مرتبة الاجتهاد فهذا الراجح في حقه هو جواز التمذهب دون التعصب، وفائدة التمذهب أن يتحصل عند الطالب منهج ومعيار منضبط وغير متناقض في النظر إلى المسائل الفقهية، وأيضا سيحقق له التدرج والترقي في سلم العلم، فكل مذهب من المذاهب تعاقبت أجيال على خدمته على مدار قرون طوال، وصنف العلماء فيه مؤلفات كثيرة منها ما يقتصر على رواية واحدة ثم يتدرج، ويعرض للطالب روايتين، وهكذا، وهذه المزية لا يجدها في غير كتب المذاهب، وإنما أنكر الناس التمذهب حينما خلطوه بالتقليد المذموم الذي يتعصب فيه الطالب للإمام ويعتقد أنه قد أحاط بكل مسائل الدين وأدلتها، وأنه معصوم عن الخطأ.
وعليه فالصواب أن الطالب يجوز له أن يتمذهب، شريطة ألا يتعصب، بل يرجع عما ظهر له خطأ إمامه فيه، وأقوال الأئمة كثيرة في النهي عن تقليدها.
قال المرداوي في "التحبير"(8/ 4086): (ذكر بعض أصحابنا، والمالكية، والشافعية: هل يلزم التمذهب بمذهب والأخذ برخصه وعزائمه؟ على وجهين: أشهرهما: لا، كجمهور العلماء فيتخير. والثاني: يلزمه. واختيار الآمدي منع الانتقال فيما عمل به. وقال الشيخ تقي الدين في الأخذ برخصه وعزائمه: طاعة غير النبي في كل أمره ونهيه وهو خلاف الإجماع، وتوقف أيضا في جوازه. وقال أيضا: إن خالفه لقوة الدليل، أو زيادة علم، أو تقوى، فقد أحسن، ولم يقدح في عدالته بلا نزاع، وقال أيضا: بل يجب في هذه الحال، وأنه نص أحمد. وكذا قال القدوري الحنفي: ما ظنه أقوى، عليه تقليده فيه، وله الإفتاء به حاكيا مذهب من قلده. وذكر ابن هبيرة من مكائد الشيطان: أن يقيم أوثانا في المعنى تعبد من دون الله، مثل: أن يتبين الحق، فيقول: ليس هذا مذهبنا، تقليدا لمعظم عنده قد قدمه على الحق. وقال ابن حزم: أجمعوا أنه لا يحل لحاكم ولا لمفت تقليد رجل، فلا يحكم ولا يفتي إلا بقوله '. واختار النووي أنه لا يلزمه، وقيل: يلزمه التمذهب بمذهب. قال في ' الرعاية ': هذا الأشهر فلا يقلد غير أهله. وقال في ' آداب المفتي ': يجتهد في أصح المذاهب فيتبعه. وقال بعض الشافعية - وهو الكيا - فإنه قطع بأنه يلزمه التمذهب. فعلى هذا يلزمه أن يختار مذهبا يقلده في كل شيء، وليس له التمذهب لمجرد التشهي. قال النووي: ' هذا كلام الأصحاب والذي يقتضيه أنه لا
يلزمه التمذهب بمذهب، بل يستفتي من شاء، لكن من غير تلقط للرخص، ولعل من منعه لم يثق بعدم تلقطه ' انتهى. قوله:{ولا يجوز للعامي تتبع الرخص، وحكي إجماعا، وخالف ابن هبيرة، ويفسق عند أحمد وغيره، وحكي عنه: لا، وحمل القاضي الأول على غير متأول أو مقلد، والحنفية كالقاضي: له أن يتمذهب بمذهب فيأخذ به في الأصح} . يحرم على العامي تتبع الرخص، وهو: أنه كلما وجد رخصة في مذهب عمل بها ولا يعمل بغيرها في ذلك المذهب، بل هذه الفعلة زندقة من فاعلها، كأن القائل بهذه الرخصة في هذا المذهب لا يقول بالرخصة بتلك الرخصة الأخرى. ومما يحكى أن بعض الناس تتبع رخص المذاهب وأقوال العلماء وجمعها في كتاب، وذهب بها إلى بعض الخلفاء، فعرضها على بعض العلماء الأعيان، فلما رآها قال: ' يا أمير المؤمنين هذه زندقة في الدين، ولا يقول بمجموع ذلك أحد من المسلمين '. قال ابن عبد البر: لا يجوز للعامي تتبع الرخص إجماعا. ونقل عن إسحاق المروزي جوازه، لكن الذي في ' فتاوى الحناطي ' عنه أنه قال: من تتبع الرخص فسق، وأن ابن أبي هريرة قال: لا يفسق. وحكاه الرافعي عنه في كتاب ' القضاء '. وحكى الجواز عن المروزي في ' جمع الجوامع '، وغيره. وقال المحلي في ' شرحه ':(والظاهر أن هذا النقل عنه سهو، لما في ' الروضة '، وأصلها عن الحناطي وغيره عن أبي إسحاق المروزي: أنه يفسق بذلك، وعن ابن أبي هريرة: أنه لا يفسق). ولذلك قطع به السيوطي في شرح منظومته ' جمع الجوامع '. وكنت قد نقلت ذلك عن المروزي فأصلحته، وذكرته عن ابن أبي هريرة لذلك، ويحمل أن يكون للمروزي قولان. فعلى الأول يفسق عند الإمام أحمد، ويحيى القطان، وغيرهما من العلماء، ولكن حمله القاضي على غير متأول أو مقلد. قال ابن مفلح: ' وفيه نظر، وذكر بعض أصحابنا في فسق من أخذ بالرخص روايتين، وإن قوي دليل، أو كان عاميا فلا، كذا قال، وقالت الحنفية: كالقاضي أبي يعلى: إلا أن يتمذهب بمذهب فيأخذ به في الصحيح ') (1).
(1) انظر: المسودة (ص/414)، الوصول إلى علم الأصول لابن برهان (ص/369)، إعلام الموقعين (4/ 261)، أصول الفقه لابن مفلح (4/ 1563) المختصر (ص/168)، شرح الكوكب المنير (4/ 574).