الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقابلان الصحة، كما هو مذهبنا ومذهب الشافعي
…
قوله: {مع تفريقهما في الفقه بينهما في مسائل} كثيرة. قد فرق أصحابنا وأصحاب الشافعي بين الفاسد والباطل في مسائل كثيرة. قال بعض أصحابنا: (قد ذكر أصحابنا مسائل فرقوا فيها بين الفاسد والباطل، ظن بعض المتأخرين أنها مخالفة للقاعدة. والذي يظهر - والله أعلم - أن ذلك ليس بمخالف للقاعدة. وبيانه: أن الأصحاب إنما قالوا: البطلان والفساد مترادفان، في مقابلة قول أبي حنيفة، حيث قال: ما لم يشرع بالكلية هو الباطل، وما شرع أصله وامتنع لاشتماله على وصف محرم هو الفاسد، فعندنا كل ما كان منهيا إما لعينه أو لوصفه ففاسد وباطل، ولم يفرق الأصحاب في صورة من الصور بين الفاسد والباطل في المنهي عنه، وإنما فرقوا بينهما في مسائل لدليل) انتهى (1). قلت: غالب المسائل التي حكموا عليها بالفساد، إذا كانت مختلفا فيها بين العلماء، والتي حكموا عليها بالبطلان إذا كانت مجمعا عليها، أو الخلاف فيها شاذ. ثم وجدت بعض أصحابنا قال:(الفاسد من النكاح: ما يسوغ فيه الاجتهاد، والباطل: ما كان مجمعا على بطلانه. وعبر طائفة من أصحابنا بالباطل عن النكاح الذي يسوغ فيه الاجتهاد أيضا). إذا علم ذلك؛ فقد ذكر أصحابنا مسائل الفاسد غير مسائل الباطل في أبواب منها: باب الكتابة، والنكاح، والحج، وغيرها، وقد ذكر القاضي علاء الدين في قواعده لذلك قاعدة وذكر مسائل كثيرة فليعاودها من أرادها).
كلام ابن رجب في المسألة:
قال ابن رجب في القواعد (ص/12) ما ملخصه: ((القاعدة التاسعة): في العبادات الواقعة على وجه محرم ، إن كان التحريم عائدا إلى ذات العبادة على وجه يختص بها لم يصح ، وإن كان عائدا إلى شرطها فإن كان على وجه يختص بها فكذلك أيضا ، وإن كان - أي الشرط - لا يختص بها ففي الصحة روايتان أشهرهما
(1) قال الكلوذاني في التمهيد (1/ 380): إنما لم يحكموا بفساده - يعني تلقي الركبان - لأنه ورد فيه دليل يدل على أنه لا يفسد وهو قوله عليه السلام: (فمن تلقى الركبان فهو بالخيار إذا دخل السوق) فدل على أن البيع صحيح. اهـ
عدمها (1)، وإن عاد إلى ما ليس بشرط فيها ففي الصحة وجهان واختار أبو بكر عدم الصحة وخالفه الأكثرون (2) فللأول أمثلة كثيرة:(منها) صوم يوم العيد فلا يصح
(1) والقول بالبطلان في هذه الحالة هو الصحيح من مذهب أحمد إلا أن الأقوى أنه يقتضي الفساد لا البطلان، وهذا هو ما اختاره الطوفي وغيره، قال الطوفي في مختصره بعد أن استعرض الأقوال في المسألة:(والمختار أن النهي عن الشيء لذاته، أو وصف لازم له مبطل، ولخارج عنه غير مبطل، وفيه لوصف غير لازم تردد، والأولى الصحة). وانتصر لذلك في شرحه فقال (2/ 440): (- وإن كان النهي عن الفعل لوصف له، لكنه غير لازم؛ ففيه تردد، إذ بالنظر إلى كونه وصفًا للفعل يقتضي البطلان، كما لو نهي عنه لذاته، أو لوصف لازم، وبالنظر إلى كونه غير لازم لا يقتضي البطلان، كما لو نهي عنه لأمر خارج، وهو أولى تغليبًا لجانب العرضية على جانب الوصفية، إذ بكونه عارضًا يضعف كونه وصفًا؛ فلا يلحق بالوصف اللازم؛ لأن لزومه يؤكد وصفيته ويقويها.
ومما يصلح مثالًا لهذا القسم النهي عن البيع وما في معناه من العقود وقت النداء، وإنما نهي عنه، لكونه بالجملة متصفًا بكونه مفوتًا للجمعة، أو مفضيًا إلى التفويت بالتشاغل بالبيع، لكن هذا الوصف غير لازم للبيع لجواز أن يعقد مائة عقد ما بين النداء إلى الصلاة، ثم يدركها؛ فلا تفوت؛ فالأولى في هذا العقد الصحة لوجوه:
أحدها: ضعف المانع لصحته، وهو هذا الوصف الضعيف العرضي.
الثاني: معارضته بأن الأصل صحة تصرفات المكلفين، خصوصًا في معاملاتهم التي راعى الشرع مصالحهم فيها؛ فلا يترك هذا الأصل إلا لدليل قوي سالم عن معارض
…
الثالث: أن ضعف المانع، وقوة المعارض المذكورين، تعاضدا على تخصيص النص المقتضي للمنع، وهو قوله عز وجل:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9]، إذ ذلك يدل على أن المنهي عنه بيع خاص، وهو المفوت للصلاة، مثل أن يشرع في مساومة بيع تتطاول مدته عند تكبير الإمام للجمعة، أو قريبًا منه، وصحة البيع عند النداء تكره ولا تفسد عند أبي حنيفة وغيره، وهو وجه مخرج عندنا، وهو قوي لما ذكرنا.
والصحيح من مذهب أحمد أنه لا يصح لظاهر النهي، وما ذكرناه في تضعيف اقتضائه البطلان وارد عليه، والله تعالى أعلم بالصواب). وانظر أيضا التحبير (5/ 2297).
(2)
وقد وافق الشيخ العثيمين قول الأكثرين في هذه الحالة، فقال في باب النهي: (صيغة النهي عند الإطلاق تقتضي تحريم المنهي عنه وفساده. وقاعدة المذهب في المنهي عنه هل يكون باطلاً أو صحيحاً مع التحريم كما يلي:
1 -
أن يكون النهي عائداً إلى ذات المنهي عنه أو شرطه فيكون باطلاً.
2 -
أن يكون النهي عائداً إلى أمر خارج لا يتعلق بذات المنهي عنه ولا شرطه فلا يكون باطلاً).