الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ـ وأن يكون أظهر من المحدود (1) لا أخفى منه ولا مساوياً له؛ فالخفي كقولنا ما هو البر فتقول الحنطة، والمساوي كقولنا المتحرك ما ليس بساكن.
ـ ويجتنب فيها أيضاً الألفاظ الغريبة والمشتركة (2) والمجازية (3) وكل ما فيه إجمال؛ قال الغزالي إلا إذا كانت قرينة تدل على تفصيله فيجوز.
ـ ولا يجوز أيضا بما تتوقف معرفته على معرفة المحدود للزوم الدور؛ قالوا كالعلم لا يقال فيه معرفة المعلوم لأن المعلوم مشتق من العلم، والمشتق لا يعرف إلا بعد معرفة المشتق منه، فمعرفة المعلوم إذن تتوقف على معرفة على معرفة العلم، والعلم على معرفة المعلوم فجاء الدور
…
ـ ويجتنب أيضا في الحدود دخول الحكم لأن التصديق فرع التصور، والتصور فرع الحد فيلزم الدور.
ـ ولا يجوز أيضاً دخول "أو" في الحقيقي، قال الأصبهاني لئلا يلزم أن يكون للنوع الواحد فصلان على البدل وذلك محال، وأما في الرسم فجائز (4).)
أقسام الحد:
ينقسم الحد إلى: حد حقيقي، ورسمي، ولفظي، وتعريف بالمثال، وبالتقسيم.
الحد (الحقيقي)
قوله: (فالحقيقي هو القول الدال على ماهية الشيء. والماهية ما يصلح جوابا للسؤال بصيغة "ما هو").
قال الغزالي في المستصفى (1/ 13): (إن الحاد ينبغي أن يكون بصيرا بالفرق بين
(1) كتعريف الغضنفر بأنه الأسد أو العقار بأنه الخمر.
(2)
كتعريف الشمس بأنها عين، ولكن مع القرينة المبينة يجوز فتقول: عين تضيء جميع آفاق الدنيا.
(3)
كتعريف البليد بأنه حمار، ولكن يجوز مع القرينة كقولك: حمار يكتب.
(4)
الرسوم - كمَا سَيَأْتِي إن شَاء الله - فِيها التَّعْرِيف بالخاص والشَّيْء الَوَاحِد يشمل عَلَى خَوَاصّ كَثِير عكس الْحَدّود فأَنها لَا تَكُون الَا بالجنس والْفَصْل.
مثالَه تقَوْل مَا الَانسان؟ بالْحَدّ تقَوْل: حَيَوَان ناطق مَن غَيْر (أو) التشككية. وبالرسم تقَوْل: حَيَوَان ضاحك أو قابَل للتعلَم أو الْكِتَابَة أو. . الخ
الصفات الذاتية واللازمة والعرضية وذلك غامض فلا بد من بيانه فنقول: المعنى إذا نسب إلى المعنى الذي يمكن وصفه به وجد بالإضافة إلى الموصوف إما ذاتيا له ويسمى صفة نفس، وإما لازما ويسمى تابعا، وإما عارضا لا يبعد أن ينفصل عنه في الوجود، ولا بد من إتقان هذه النسبة فإنها نافعة في الحد والبرهان جميعا.
أما الذاتي فإني أعني به كل داخل في ماهية الشيء وحقيقته دخولا لا يتصور فهم المعنى دون فهمه وذلك كاللونية للسواد والجسمية للفرس والشجر فإن من فهم الشجر فقد فهم جسما مخصوصا فتكون الجسمية داخلة في ذات الشجرية دخولا به قوامها في الوجود والعقل لو قدر عدمها لبطل وجود الشجرية وكذا الفرس ولو قدر خروجها عن الذهن لبطل فهم الشجر والفرس من الذهن وما يجري هذا المجرى فلا بد من إدراجه في حد الشيء فمن يحد النبات يلزمه أن يقول جسم نام لا محالة.
وأما اللازم فما لا يفارق الذات البتة ولكن فهم الحقيقة والماهية غير موقوف عليه كوقوع الظل لشخص الفرس والنبات والشجر عند طلوع الشمس فإن هذا أمر لازم لا يتصور أن يفارق وجوده عند من يعبر عن مجاري العادات باللزوم ويعتقده ولكنه من توابع الذات ولوازمه وليس بذاتي له وأعني به أن فهم حقيقته غير موقوف على فهم ذلك له إذ الغافل عن وقوع الظل يفهم الفرس والنبات بل يفهم الجسم الذي هو أعم منه وإن لم يخطر بباله ذلك وكذلك كون الأرض مخلوقة وصف لازم للأرض لا يتصور مفارقته له ولكن فهم الأرض غير موقوف على فهم كونها مخلوقة فقد يدرك حقيقة الأرض والسماء من لم يدرك بعد أنهما مخلوقتان فإنا نعلم أولا حقيقة الجسم ثم نطلب بالبرهان كونه مخلوقا ولا يمكننا أن نعلم الأرض والسماء ما لم نعلم الجسم.
وأما العارض فأعني به ما ليس من ضرورته أن يلازم بل يتصور مفارقته إما سريعا كحمرة الخجل أو بطيئا كصفرة الذهب وزرقة العين وسواد الزنجي وربما لا يزول في الوجود كزرقة العين ولكن يمكن رفعه في الوهم وأما كون الأرض مخلوقة وكون الجسم الكثيف ذا ظل مانع نور الشمس فإنه ملازم لا تتصور مفارقته ومن مثارات الأغاليط الكثيرة التباس اللازم التابع بالذاتي فإنهما مشتركان في استحالة
المفارقة (1) واستقصاء ذلك في هذه المقدمة التي هي كالعلاوة على هذا العلم غير ممكن وقد استقصيناه في كتاب معيار العلم فإذا فهمت الفرق بين الذاتي واللازم فلا
(1) قال الشنقيطي في آداب البحث والمناظرة (1/ 36): (تنبيه: لا يخفى أنا ذكرنا في الأمثلة الماضية أن الناطق فصل وأنه مميز ذاتي وأنه جزء الماهية الداخل فيها الصادقَ عليها صدقاً ذاتياً وأنا ذكرنا أن الضاحك والكاتب مثلا خاصتان وأنهما عرضيان خارجان عن الماهية وليس واحد منهما جزءاً منها ولا داخلا فيها فقد يقول السامع، ما حقيقة الفرق بين الناطق والضاحك حتى صار أحدهما جزءاً من الماهية عندهم والثاني خارجاً عنها.
والجواب أن لهم أجوبة متعددة كثير منها ليس فيه مقنع، وأقربها عند الذهن ثلاثة:
الأول: أن الذاتي هو المعروف عند المتكلمين بالصفة النفسية وضابطه أنه لا يمكن إدراك حقيقة الماهية بدونه والعرضي يمكن إدراكها بدونه.
الثاني: أن الذاتي لا يعلل والعرضي يعلل.
الثالث: أن الذاتي هو الذي لا تبقى الذات مع توهم رفعه، والعرضي بخلافه وإيضاح الفوارق الثلاثة بالأمثلة كما سيأتي:
كون الذات لا تعقل بدون الناطق، ولكن تعقل بدون الضاحك والكاتب فقد قالوا لو فرضنا أن عاقلا من العقلاء لم ير الإِنسان ولم يتصوره بحال فسأل عنه من يعرفه فإن عرفه له بأنه جسم دخل في التعريف (الحجر) مثلا فإن زاد في التعريف أنه (نام) دخل النبات والشجر. فإن زاد أنه (حساس) دخل الفرس مثلا. فإن زاد أنه (ناطق) مثلا انفصل عن غيره وتميز عن كل ما سواه.
والنطق: في الاصطلاح عند المنطقيين (القوة العاقلة المفكرة التي يقتدر بها على إدراك العلوم والآراء) وليس المراد به عندهم الكلام.
وإن قال هو منتصب القامة يمشى على اثنتين دخل الطير فإن زاد (لا ريش له)
دخل منتوف الريش من الطيور وساقطه. فإن زاد أنه (ناطق) حصل التمييز والإِدراك.
فإن قيل كذلك يحصل التمييز والإِدراك فيما لو قال: (أنه ضاحك). أو كاتب لأنه لا يشاركه غيره في الضحك والكتابة.
فالجواب: أن يقولون الضحك حالة تعرض عند التعجب من أمر بعد أن تتفكر فيه القوة الناطقة والكتابة نقوش على هيئات ومقادير معلومة لا تحصل بتفكير القوة الناطقة، فظهر أن الضحك والكتابة فرعان عن النطق لا يوجدان إلا تبعاً له. ولا يعقلان إلا تبعاً له فلم تعقل حقيقة الإِنسان دون النطق، بخلاف الضحك، والكتابة، فإن الحقيقة تعقل بدونهما كذا قالوا.
وأما الفرق الثاني: الذي هو كون الذاتي لا يعلل، والعرضي يعلل، فواضح فإنك لا تقول: لم كان الإِنسان ذا قوة مفكرة يقتدر بها على إدراك العلوم والآراء تعني النطق ولكن إذا رأيته يضحك أو يكتب شيئاً فإنك قد تقول له ما هو السبب الذي أضحكك وما هو السبب الذي حملك على كتابة هذا الذي كتبت.
وأما الفرق الثالث: الذي هو أن الذاتي لا تبقى الذات مع توهم رفعه أي عدمه فواضح. لأنك لو فرضت خلو حيوان من القوة العاقلة المفكرة التي يقتدر بها على إدراك العلوم والآراء لا يمكن أن يكون ذلك الحيوان إنساناً. ولا يرد على ذلك المعتوه الذي لا عقل له. والمجنون الفاقد العقل بالكلية لأن المراد بكونه ناطقاً أن ذلك هو طبيعته وجبلته التي جبل عليها. ولو زالت عن بعض الأفراد لسبب خاص.
فبهذه الفوارق الثلاثة تعرف الفرق بين الذاتي والعرضي.).