الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا التفريق إنما يتأتى على قول من رجح أنه لا يستثنى من العام أكثر من النصف، وقد سبق وأن بينا أن هذا القول مرجوح وأنه يجوز أن يستثنى من العام أكثر من النصف، وعليه فقد يكون المراد من العام المخصوص الأقل (1).
2 -
قال المرداوي في "التحبير"(5/ 2381): (قال البرماوي بعد أن حكى الفروق في ذلك: ويعلم من ذلك أن قول بعض متأخري الحنابلة في الفرق بأن العام الذي أريد به الخصوص أن يطلق المتكلم اللفظ العام ويريد به بعضا معينا والعام المخصوص هو الذي أريد به سلب الحكم عن بعض منه).
قال الشيخ علي الحكمي في "تخصيص العام" عن هذا الفرق: (غير صحيح؛ لأن الأدلة العامة إنما سيقت لبيان الحكم في الأفراد، لا لسلب الحكم عن بعضها، وإنما يستفاد نفي الحكم عن البعض من دليل آخر
…
).
وهناك فروقا أخرى بينهما أهملت ذكرها والكلام عليها، وهذا التفريق وان اهتم به بعض الأصوليين إلا أنه لا يترتب عليه عمل؛ لأنهم كالمتفقين على أن العام المخصوص لم يرد به جميع أفراده منذ أن تكلم الله به كالعام المراد به الخصوص (2).
أولاً - التخصيص بالحس:
قال ابن النجار في "شرح الكوكب"(3/ 278): (المراد بالحس المشاهدة)(3).
قال الطوفي في "شرح مختصر الروضة"(2/ 552): (قوله: «والمخصصات»، أي: والأدلة المخصصات، يعني أدلة التخصيص «تسعة «: -» الحس»، أي: أحدها الحس، «كخروج السماء والأرض من» قوله عز وجل في صفة الريح العقيم: (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا)[الأحقاف: 25]؛ فإننا علمنا بالحس أنها لم تدمر السماء والأرض مع أشياء كثيرة؛ فكان الحس مخصصًا لذلك.
قلت: وفي الاستدلال بالآية الكريمة نظر كما سبق في صدر الباب) - يشير لقوله في الصفحة السابقة -: (وقوله سبحانه وتعالى في صفة الريح التي أهلكت عادًا: (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا)، وهو مخصوص بأشياء كثيرة لم تدمرها،
(1) انظر "تخصيص العموم"(ص/ 34).
(2)
انظر أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله (ص/298).
(3)
وانظر أيضا: جمع الجوامع (2/ 60 - حاشية العطار).
كالسماوات والأرض.
قلت: هذه الآية يحتج بها الأصوليون على إطلاق العام وإرادة الخاص، ولا حجة فيها؛ لأنها جاءت في موضع آخر مقيدة بما يمنع الاستدلال بها على ذلك، وهو قوله عز وجل:(وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) [الذاريات: 41، 42]، والقصة واحدة؛ فدل على أن قوله:{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} مقيد بما أتت عليه، كأنه سبحانه قال: تدمر كل شيء أتت عليه، وحينئذ يكون التدمير مختصًا بذلك؛ فتكون الآية خاصة أريد بها الخاص؛ فلا يصح الاحتجاج بها على ما يذكرون).
قال المرداوي في "التحبير"(6/ 2638): (قوله: {منه الحس}. يجوز التخصيص بالحس، أي: المشاهدة، كقوله تعالى: (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)[النمل: 23]، (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ) [الأحقاف: 25] فنحن نشاهد أشياء كثيرة لم تؤتها بلقيس كملك سليمان، ونحن نشاهد أشياء كثيرة لم تدمرها الريح كالسموات، والجبال، وغيرها. ونحوه قوله تعالى:(مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ)[الذاريات: 42]، (يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ) [القصص: 57] فإنا نشاهد أشياء لم تجعلها كالرميم، وأن ما في أقصى المغرب والمشرق لم يجب إليه. واعلم أن هنا ثلاثة أشياء: الأول: أن هذه الأمثلة لا تتعين أن تكون من العام المخصوص بالحس، فقد يدعى أنها من العام الذي أريد به الخصوص. الثاني: أن ما كان خارجا بالحس قد يدعى أنه لم يدخل حتى يخرج، كما يأتي نظيره في التخصيص بالعقل، فليكن هذا على الخلاف الذي هناك. الثالث: يؤول التخصيص بالحس إلى أن العقل يحكم بخروج بعض الأفراد بواسطة الحس، فلم يخرج عن كونه خارجا بالعقل فليكونا قسما واحدا، وإن اختلف طريق الحصول (1)).
وقد رجح الشيخ رحمه الله أن التخصيص بالحس والعقل ليس من العام المخصوص بل هو من العام الذي أريد به الخصوص ووصفه بأنه قول قوي جدا (2).
(1) بمعني أن المخصص فيهما هو العقل مرة بواسطة الحواس ومرة بلا واسطتها.
(2)
انظر شرح الأصول (ص/300).