الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقول ابن العباس وعامة الصحابة على غلط وان هذا الفعل الذي فعلوا لا يجوز وأن الحق مع ابن عباس وحده الذي خالف عامة الصحابة في العول. وقال الذي نعلم أن الله لم يجعل في شيء واحد نصفاً وثلثين، فرأي ابن عباس أن ننظر في الورثة إذا كان أحدهما أقوى سبباً نقدمه ونكمل له نصيبه ونجعل النقص على الأضعف، فابن عباس في مثل هذا يقول ابن الزوج يعطى نصفاً كاملاً لأن الزوج لا يحجبه الأبوان ولا يحجبه الأولاد بخلاف الأختين لأنهما أضعف سبباً منه لأنهما يحجبهما الأولاد ويحجبهما الأب ونعطي للأختين نصفاً وهذا تلاعب بكتاب الله، الله يقول:(فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ)[النساء: 176] وهو يقول فلهما النصف فهذا عمل بما يناقض القرآن.
المسألة المنبرية:
مع أن ابن حزم ورأي ابن عباس يقضي عليه وتبطله المسألة المعروفة عند الفرضيين بالمنبرية وإنما سميت المنبرية لأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه أفتى فيها وهو على المنبر أثناء خطبته لأنه افتتح خطبته على المنبر وقال: الحمد لله الذي يجزي كل نفس بما تسعى واليه المآب والرجعي، فسمع قائلاً يقول: ما تقولون فيمن هلك عن زوجة وأبوين وابنتين؟ فقال علي رضي الله عنه: صار ثمنها تسعاً، ومضى في خطبته. وقوله: صار ثمنها تسعاً لأن هذه الفريضة فيها ابنتان وأبوان وزوجة، الابنتان لهما الثلثان والأبوان لكل واحد منهما السدس وذلك يستغرق جميع التركة لهما الثلثان والأبوان لكل واحد منهما السدس وذلك يستغرق جميع التركة لأن السدسين بثلث وتبقى الزوجة تعول لها بالثمن والفريضة من أربعة وعشرين وثمنها ثلاثة يعال فيها بثمن الزوجة وثمن الأربعة والعشرين ثلاثة وإذا ضم الثمن الذي عالت به الفريضة إلى أصل الفريضة أي إذا ضم الثمن الذي هو ثلاثة فريضة الزوجة إلى الأربعة والعشرين التي هي أصل الفريضة صارت سبعة وعشرين. والثلاثة من السبعة والعشرين تسعها ومن الأربعة والعشرين ثمنها، فهذه لو قلنا لابن حزم أيهما يحجب هل الابنتان يحجبان لا والله، هل الأبوان يحجبان لا والله هل الزوجة تحجب لا والله ليس فيهم من يحجبه أحد وكلهم أهل فروض منصوصة في كتاب الله ولا يحجب أحد منهم أبداً فبهذا يبطل قوله
إن من هو أضعف سبباً فانه يحجب ويقدم عليه غيره.
داود الظاهري كان لا ينكر القياس الجلي:
داوود بن علي الظاهري كان لا ينكر القياس المعروف الذي يسميه الشافعي القياس في معنى الأصل ويقول له القياس الجلي وهو المعروف عند الفقهاء بالقياس الجلي وإلغاء الفارق ويسمى نفي الفارق وهو نوع من تنقيح المناط.
أمثلة على هذا النوع والرد على ابن حزم في إنكاره:
فقد أجمع جميع المسلمين على أن المسكوت عنه فيه يلحق بالمنطوق وان قول ابن حزم: انه مسكوت عنه لم يتعرض له أنه كذب محض وافتراء على الشرع وأن الشرع لم يسكت عنه.
وقوله تعالى:" فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ " يقول ابن حزم إن هذه الآية، ناطقة بالنهي عن التأفيف ولكنها ساكتة عن حكم الضرب (1)،ونحن نقول: لا والله لما نهى عن التأفيف
(1) قال ابن حزم في " الإحكام"(7/ 371): (أما قول الله تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء: 23، 24] فلو لم يرد غير هذه اللفظة لما كان فيها تحريم ضربهما ولا قتلهما، ولما كان فيها إلا تحريم قول (أُفٍّ) فقط، ولكن لما قال الله تعالى في الآية نفسها (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) اقتضت هذه الألفاظ من الإحسان والقول الكريم وخفض الجناح والذل والرحمة لهما والمنع من انتهارهما وأوجبت أن يؤتى إليهما كل بر وكل خير وكل رفق فبهذه الألفاظ وبالأحاديث الواردة في ذلك وجب بر الوالدين بكل وجه وبكل معنى والمنع من كل ضرر وعقوق بأي وجه كان لا بالنهي عن قول (أُفٍّ) وبالألفاظ التي ذكرنا وجب ضرورة أن من سبهما أو تبرم عليهما أو منعهما رفده في أي شيء كان من غير الحرام فلم يحسن إليهما ولا خفض لهما جناح الذل من الرحمة.
ولو كان النهي عن قول (أُفٍّ) مغنيا عما سواه من وجوه الأذى لما كان لذكر الله تعالى في الآية نفسها مع النهي عن قول (أُفٍّ) النهي عن النهر والأمر بالإحسان وخفض الجناح والذل لهما معنى فلما لم يقتصر تعالى على ذكر الأف وحده بطل قول من ادعى أن بذكر الأف علم ما عداه
وصح ضرورة أن لكل لفظة من الآية معنى غير سائر ألفاظها ولكنهم جروا على عادة لهم ذميمة من الاقتصار على بعض الآية والإضراب عن سائرها تمويها على من اغتر بهم ومجاهرة لله تعالى بما لا يحل من التدليس في دينه
…
قال أبو محمد ومن البرهان الضروري على أن نهي الله تعالى عن أن يقول المرء لوالديه ليس نهيا عن الضرب ولا عن القتل ولا عما عدا الأف أن من حدث عن إنسان قتل آخر أو ضربه حتى كسر أضلاعه وقذفه بالحدود وبصق في وجهه فشهد عليه من شهد ذلك كله فقال الشاهد إن زيدا يعني القاتل أو القاذف أو الضارب قال لعمرو يعني المقتول أو المضروب أو المقذوف لكان بإجماع منا ومنهم كاذبا آفكا شاهد زور مفتريا مردود الشهادة فكيف يريد هؤلاء القوم بنا أن نحكم بما يقرون أنه كذب فكيف يستجيزون أن ينسبوا إلى الله تعالى الحكم بما يشهدون أنه كذب ونحن نعوذ بالله العظيم من أن نقول إن نهي الله عز وجل عن قول للوالدين يفهم منه النهي عن الضرب لهما أو القتل أو القذف فالذي لا شك فيه عند كل من له معرفة بشيء من اللغة العربية أن القتل والضرب والقذف لا يسمى شيء من ذلك فبلا شك يعلم كل ذي عقل أن النهي عن قول ليس نهيا عن القتل ولا عن الضرب ولا عن القذف وأنه إنما هو نهي عن قول فقط.
وهو أخف الأذى فقد دلت هذه الآية من باب أولى على أن ضرب الوالدين أشد حرمة وان الآية غير ساكتة عنها بل نبهت على الأكبر بما هو أصغر منه فلما نهت عن التأفيف وهو أقل أذية من الضرب لم تسكت عن الضرب.
ونقول: إن قوله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)) [الزلزلة: 7، 8] إن هذه الآية ليست ساكتة عن عمل مثقال جيل أحد فلا نقول نصت على الذرة وما فوق الذرة فهو مسكوت عنه فلا يؤخذ من الآية فهي ساكتة عنه بل نقول إن الآية غير ساكتة عنه وإن ذلك المسكوت عنه يلحق بذلك المنطوق.
وكذلك قوله: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)[الطلاق: 2] من جاء بأربعة عدول لا نقول أربعة عدول مسكوت عنها بل نقول إن الآية التي نصت على قبول شهادة العدلين دالة على قبول شهادة أربعة عدول.
ونقول: إن قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا)[النساء: 10] لا نقول كما يقول ابن حزم ساكنة عن إحراق مال اليتيم وإغراقه لأنها نصت على حرمة
أكله فقط، بل نقول: إن الآية التي نهت عن أكله دلت على حرمة إغراقه وإحراقه بالنار لأن الجميع إتلاف.
ومما يدل على أن ما يقوله ابن حزم لا يقول به عاقل أن ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن البول في الماء الراكد يقول ابن حزم: لو بال في قارورة وصبها في الماء لم يكن هذا من المكروه لأن النبي لم ينه عن هذا وإنما قال: (لا يبولن أحدكم في الماء الراكد في الماء الدائم ثم يغتسل فيه) ولم يقل لا يبولن أحدكم في إناء ثم يصبه فيه فهذا لا يعقل أيعقل أحد أن الشرع الكريم يمنع من أن يبول إنسان بقطرات قليلة أقل من وزن ربع كيل ثم انه يجوز له أن يملأ عشرات التنكات بولاً يعد بمئات الكيلوات ثم يصبها في الماء وأن هذا جائز.
وأيضاً في الحديث: (لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان) فألحق به الفقهاء إذ كان في حزن شديد مفرط يذهل عقله، أو فرح شديد مفرط يدهش عقله أو في عطش شديد مفرط يدهش عقله أو في جوع شديد يدهش عقله، ونحو ذلك من مشوشات الفكر التي هي أعظم من الغضب فليس في المسلمين من يعقل أن يقال للقاضي أحكم بين الناس وأنت في غاية تشويش الفكر بالجوع والعطش المفرطين أو الحزن والسرور المفرطين، أو الحقن والحقب المفرطين والحقن مدافعة البول والحقب مدافعة الغائط، والإنسان اذا كان يدافع البول أو الغائط مدافعة شديدة كان مشوش الفكر مشغول الخاطر لا يمكن أن يتعقل حجج الخصوم، ومثل هذا، لذا قال العلماء لا يجوز للقاضي أن يحكم وهو مشوش الفكر.
وكذلك قال الله: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ)[النور: 4] ولم يصرح في الآية الا أن يكون القاذف ذكر والمقذوفة أنثى فلو قذفت أنثى ذكراً أو قذف لا مؤاخذة فيه لأن الله إنما نص على قذف الذكور بالإناث لأنه قال: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) وما أراد ابن حزم هنا أن يدخل الجميع في عموم المحصنات فقال: المحصنات نعت للفروج، والذين يرمون الفروج المحصنات فيشمل الذكور والإناث يرد عليه أن المحصنات في القرآن لم تأت قط للفروج وإنما جاءت للنساء وكيف يأتي ذلك في قوله:(إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ)[النور: 23]، وهل يمكن أن تكون الفروج غافلات مؤمنات. هذا مما لا يعقل.