الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتوى المنتسبين في هذه الحالة في حكم فتوى المجتهد المستقل المطلق يعمل بها ويعتد بها في الإجماع والخلاف والله أعلم.
الحالة الثانية أن يكون في مذهب إمامه مجتهدا مقيدا فيستقل بتقرير مذاهبه بالدليل غير أنه لا يتجاوز في أدلته أصول إمامه وقواعده ومن شأنه أن يكون عالما بالفقه خبيرا بأصول الفقه عارفا بأدلة الأحكام تفصيلا بصيرا بمسالك الأقيسة والمعاني تام الارتياض في التخريج والاستنباط قيما بإلحاق ما ليس بمنصوص عليه في مذهب إمامه بأصول مذهبه وقواعده ولا يعرى عن شوب من التقليد له لإخلاله ببعض العلوم والأدوات المعتبرة في المستقل مثل أن يخل بعلم الحديث أو بعلم اللغة والعربية وكثيرا ما وقع الإخلال بهذين العلمين في أهل الاجتهاد المقيد ويتخذ نصوص إمامه أصولا يستنبط منها نحو ما يفعله المستقل بنصوص الشارع وربما مر به الحكم وقد ذكره إمامه بدليله فيكتفي بذلك فيه ولا يبحث هل لذلك الدليل من معارض ولا يستوفي النظر في شروطه كما يفعله المستقل وهذه صفة أصحاب الوجوه والطرق في المذهب.
وعلى هذه الصفة كان أئمة أصحابنا أو أكثرهم ومن كان هذا شأنه فالعامل بفتياه مقلد لإمامه لا له؛ لأن معوله على صحة إضافة ما يقوله إلى إمامه لعدم استقلاله بتصحيح نسبته إلى الشارع والله أعلم.
تنبيهات
الأول الذي رأيته من كلام الأئمة يشعر بأن من كانت هذه حالته ففرض الكفاية لا يتأدى به ووجهه أن ما فيه من التقليد نقص وخلل في المقصود
وأقول إنه يظهر أنه يتأدى به فرض الكفاية في الفتوى وإن لم يتأد به فرض الكفاية في أحياء العلوم التي منها استمداد الفتوى لأنه قد قام في فتواه مقام إمام مطلق فهو
يؤدي عنه ما كان يتأدى به الفرض حين كان حيا قائما بالفرض فيها والتفريع على الصحيح في أن تقليد الميت جائز.
الثاني قد يوجد من المجتهد المقيد الاستقلال بالاجتهاد والفتوى في مسألة خاصة أو باب خاص كما تقدم في النوع الذي قبله والله أعلم
الثالث يجوز له أن يفتي فيما لا يجده من أحكام الوقائع منصوصا عليه لإمامه بما يخرجه على مذهبه هذا هو الصحيح الذي عليه العمل وإليه مفزع المفتين من مدد مديدة فالمجتهد في مذهب الشافعي مثلا المحيط بقواعد مذهبه المتدرب في مقاييسه وسبل تصرفاته متنزل كما قدمنا ذكره في الإلحاق بمنصوصاته وقواعد مذهبه منزلة المجتهد المستقل في إلحاقه ما لم ينص عليه الشارع بما نص عليه وهذا أقدر على هذا من ذاك على ذاك فإن هذا يجد في مذهب إمامه من القواعد الممهدة والضوابط المهذبة ما لا يجده المستقل في أصل الشرع ونصوصه ثم إن هذا المستفتي فيما يفتيه به من تخريجه هذا مقلد لإمامه لا له، قطع بهذا الشيخ أبو المعالي ابن الجويني في كتابه الغياثي، وأنا أقول ينبغي أن يخرج هذا على خلاف حكاه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في أن ما يخرجه أصحابنا رحمهم الله على مذهب الشافعي رضي الله عنه هل يجوز أن ينسب إليه واختار الشيخ أبو إسحاق أنه لا يجوز أن ينسب إليه والله أعلم
الرابع تخريجه تارة يكون من نص معين لإمامه في مسألة معينة وتارة لا يجد لإمامه نصا معينا يخرج منه فيخرج على وفق أصوله بأن يجد دليلا من جنس ما يحتج به إمامه وعلى شرطه فيفتي بموجبه ثم إن وقع النوع الأول من التخريج في صورة فيها نص لإمامه مخرجا خلاف نصه فيها من نص آخر في صورة أخرى سمي قولا مخرجا وإذا وقع النوع الثاني في صورة قد قال فيها بعض الأصحاب غير ذلك سمي ذلك وجها ويقال فيها وجهان وشرط التخريج المذكور عند اختلاف النصين أن لا يجد بين المسألتين فارقا ولا حاجة في مثل ذلك إلى علة جامعة وهو من قبيل إلحاق الأمة بالعبد في قوله صلى الله عليه وسلم من أعتق شركا له في عبد قوم عليه ومهما أمكنه الفرق بين المسألتين لم يجزله على الأصح التخريج ولزمه تقرير النصين على ظاهرهما معتمدا على الفارق وكثيرا ما يختلفون في القول بالتخريج في مثل ذلك لاختلافهم في إمكان الفرق والله أعلم
الحالة الثالثة أن لا يبلغ رتبة أئمة المذهب أصحاب الوجوه والطرق غير أنه فقيه النفس حافظ لمذهب إمامه عارف بأدلته قائم بتقريرها وبنصرته يصور ويحرر ويمهد ويقرر ويزيف ويرجح لكنه قصر عن درجة أولئك إما لكونه لم يبلغ في حفظ المذهب مبلغهم وإما لكونه لم يرتض في التخريج والاستنباط كارتياضهم وإما لكونه غير متبحر في علم أصول الفقه على أنه لا يخلو مثله في ضمن ما يحفظه من الفقه ويعرفه من أداته على أطراف من قواعد أصول الفقه وإما لكونه مقصرا في غير ذلك من العلوم التي هي أدوات الاجتهاد الحاصل لأصحاب الوجوه والطرق وهذه صفة كثير من المتأخرين إلى أواخر المائة الخامسة من الهجرة المصنفين الذين رتبوا المذهب وحرروه وصنفوا فيه تصانيف بها معظم اشتغال الناس اليوم ولم يلحقوا بأرباب الحالة الثانية في تخريج الوجوه وتمهيد الطرق في المذهب وأما في فتاويهم فقد كانوا يتبسطون فيها كتبسيط أولئك أو قريبا منه ويقيسون غير المنقول والمسطور على المنقول والمسطور في المذهب غير مقتصرين في ذلك على القياس الجلي وقياس لا فارق الذي هو نحو قياس الأمة على العبد في إعتاق الشريك وقياس المرأة على الرجل في رجوع البائع إلى عين ماله عند تعذر الثمن، وفيهم من جمعت فتاويه وأفردت بالتدوين ولا يبلغ في التحاقها بالمذهب مبلغ فتاوى أصحاب الوجوه ولا تقوى كقوتها والله أعلم.
الحالة الرابعة أن يقوم بحفظ المذهب ونقله وفهمه في واضحات المسائل ومشكلاتها غير أن عنده ضعفا في تقرير أدلته وتحرير أقيسته فهذا يعتمد نقله وفتواه به فيما يحكيه من مسطورات مذهبه من منصوصات إمامه وتفريعات أصحابه المجتهدين في مذهبه وتخريجاتهم وأما ما لا يجده منقولا في مذهبه فإن وجد في المنقول ما هذا في معناه بحيث يدرك من غير فضل فكر وتأمل أنه لا فارق بينهما كما في الأمة بالنسبة إلى العبد المنصوص عليه في إعتاق الشريك جاز له إلحاقه به والفتوى به وكذلك ما يعلم اندراجه تحت ضابط منقول ممهد في المذهب وما لم يكن كذلك فعليه الإمساك عن الفتيا فيه
…
قلت وينبغي أن يكتفي في حفظ المذهب في هذه الحالة وفي الحالة التي قبلها بأن يكون المعظم على مد ذهنه ويكون لدربته متمكنا من الوقوف على الباقي بالمطالعة أو