الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
) في هذا الأَمْرِ، أَي (ابلغْ غايَتَك).
(وجَهَدَ، كمنَعَ)، يَجْهَد جَهْداً:(جَدَّ، كاجْتَهَدَ. و) جَهَدَ (دَابَّتَه) جَهْداً (: بَلَغَ جَهْدَهَا)، وحَمَل عليها في السَّيْر فوقَ طاقتِها، (كأَجْهَدَهَا). وفي (الصّحاح): جَهَدْته وأَجْهَدْته بمعنًى. قال الأَعشى:
فجَالَتْ وَجَالَ لَهَا أَرْبَعٌ
…
جَهَدْنَ لها مَعَ إِجْهَادِهَا) (1).
اصطلاحا:
قال الشيخ: (واصطلاحاً: بذل الجَهد لإدراك حكم شرعي).
وتعريف الشيخ قريب من تعريف ابن قدامة في الروضة، والطوفي في مختصرها وابن مفلح في "أصوله".
فقد عرفه ابن قدامة في الروضة (ص/352) بقوله: (بذل المجهود في العلم بأحكام الشرع).
وعرفه الطوفي في "البلبل"(ص/173): (بذل الجهد في تعرف الحكم الشرعي).
وعرفه ابن مفلح في "أصوله"(4/ 1469): (استفراغ الفقيه وسعه لدرك حكم شرعي).
وبعض هذه التعاريف فيه دور (2)، كما أنها غير جامعة، ولابد من إضافة بعض القيود لها، وبيان ذلك كالتالي (3):
أولا - استعماله لكلمة: "الجَهد" في تعريف الاجتهاد فيه دور.
ثانيا - يدخل فيه بذل الجهد من غير الفقيه كالنحوي وغيره، ويدخل فيه إدراك المقلد للأحكام الشرعية فهو إدراك لا عن طريق النظر والاستدلال بل عن طريق حفظه للمتون أو حفظ النصوص الشرعية الدالة على الحكم صراحة.
(1) انظر مادة (ج هـ د) في: مشارق الأنوار، مختار الصحاح، لسان العرب، المعجم الوسيط.
(2)
وكذا تعريف ابن مفلح على قول سيأتي.
(3)
وسوف نقتصر بالكلام على تعريف الماتن، ويظهر ما في الباقي تبعا.
وعليه فالتعريف المختار للاجتهاد هو: (بذل الفقيه وسعه لاكتساب حكم شرعي
ظني عملي من أدلته التفصيلية) (1).
فقولنا: (بذل وسعه) إخراج للتقصير في النظر والاكتفاء من ذلك ببعض الوسع الذي يمكنه أن يزيد عليه.
وقولنا: (الفقيه) المراد به هنا المتهيئ لمعرفة الأحكام، فهي أولى من قول من قيد التعريف بقوله:(ممن هو أهله).
وظاهر صنيع ابن الحاجب وغيره من ذكر هذا القيد قصد الفقيه نفسه لا تهيؤه، وهذا يلزم منه الدور.
وحجته أن قوله (استفراغ الوسع) جنس يدخل فيه الفقيه وغيره، فذكر قيد: الفقيه احتراز عن استفراغ غير الفقيه وسعه.
ولا يزال الدور يلزمه أيضا.
وقد اعترض التفتازاني في "حاشيته على شرح المختصر"(3/ 579) على كلام ابن الحاجب فقال: (قوله: (احتراز عن استفراغ غير الفقيه) الظاهر أنه لا وجه لهذا الاحتراز، فإنه لا يصير فقيها إلا بعد الاجتهاد، اللهم إلا أن يراد بالفقه التهيؤ لمعرفة الأحكام
…
).
واعتراض التفتازاني وجيه فذكر الفقيه في تعريف الاجتهاد يلزم منه الدور،، فمعرفة الفقيه تتوقف على معرفة الاجتهاد، فالفقيه لا يصير فقيها إلا بعد الاجتهاد.
ولا يقال أن هذا القيد بالتفسير الذي ذكرناه يستغني عنه بقيد اكتساب أو استنباط المذكورة عقبه في التعريف؛ لأنا استفدنا من هذا القيد صفة المكتسب أو المستنبط، وفرق بين القدرة على الاكتساب أو الاستنباط والاكتساب أو الاستنباط نفسه، والحدود تحتاج إلى بيان وإيضاح.
(1) وهذا التعريف مستفاد من تعريف الشيخ علي عباس الحكمي في "الاجتهاد ومدى الحاجة إليه في الفقه الإسلامي"(ص/1) إلا أني عدلت بعض ألفاظه وزدت عليه قيد (الظنية)، وانظر في تعريف الاجتهاد: أصول ابن مفلح (4/ 1469)، روضة الناظر (ص/352)، شرح مختصر الروضة (3/ 576)، قواعد الأصول (ص/101)، التحبير (8/ 3865)، صفة الفتوى (ص/14)، شرح الكوكب (3/ 576)، المدخل (ص/367)، المختصر في أصول الفقه (ص/163).
وقولنا: (لاكتساب) بمعنى لاستنباط، وإنما قيدنا التعريف بهذا القيد؛ ليخرجَ بذلُ الوُسع لإدراك الحكم الشرعيِّ بحفظ متون الفقه، أو بحفظ النصوص الشرعية الدالّة صراحةً على الحكم، فهذا العملُ - وإنْ كان اجتهاداً في اللُّغة - لكنه ليس اجتهاداً في الاصطلاح.
قولنا: (شرعي)، قال الشيخ علي عباس الحكمي في "الاجتهاد ومدى الحاجة إليه في الفقه الإسلامي" (ص/3): (والشرعي: إخراج للأحكام العقلية والحسية واللغوية، فإن اجتهاد الفقيه في شيء من ذلك لا يسمى اجتهادا شرعيا.
واعتراض زكريا الأنصاري: بأنه لا يحتاج إلى هذا القيد نظرا إلى حيثية كون المستنبط فقيها، يجاب عنه: بأن المقصود من التعريف إيضاح المعرف، وتبيينه ومنع دخول ما سواه، وهو يقتضي ذكر هذا القيد، ليخرج الاجتهاد في غير الأحكام الشرعية، وأما النظر إلى حيثية كون المستنبط فقيها فإن ذلك غير ظاهر في منع ما سوى الحكم الشرعي وإخراجه من التعريف ولو سلم فلا يكفي بالالتزام في التعريف.
وقولنا: (ظني) أي أن مجال الاجتهاد إنما هو في الأحكام الشرعية العملية ظنية الثبوت أو الدلالة أو كلاهما، أو النوازل التي لا نص فيها أصلا دون المسائل قطعية الثبوت والدلالة.
قال الشيخ بكر أبو زيد في " المدخل المفصل"(1/ 82) مبينا مجالات الاجتهاد: (الأَحكام تدور في قالبين:
الأول: ما كان من كتاب أو سنة أو إِجماع قطعي الثبوت والدلالة، أو معلوماً من الدِّين بالضرورة، كمسائل الاعتقاد وأَركان الإسلام، والحدود، والفضائل، والمقدرات كالمواريث، والكفارات
…
ونحو ذلك. فهذه لا مسرح للاجتهاد فيها بإِجماع، وطالما أَنَّها ليست محلاً للاجتهاد فلا يُقال فيها: كل مجتهد مصيب، بل المجتهد فيها مقطوع بخطئه وإثمِه، بل وكفره في مواضع.
الثاني: ما سوى ذلك؛ وهو ما كان بنص قطعي الثبوت ظني الدلالة، أو عكسِهِ، أو طرفاه ظنيان، أو لا نص فيه مطلقاً من الواقعات والمسائل، والاقضيات المستجدة، فهذه محل الاجتهاد في أُطرِ الشريعة، وعلى هذا معظم أَحكام الشريعة؛ فهذا محل الاجتهاد ومجاله).