الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شروط الحد الحقيقي:
قال الغزالي في "المستصفى"(1/ 15): (إن ما وقع السؤال عن ماهيته وأردت أن تحده حدا حقيقيا فعليك فيه وظائف لا يكون الحد حقيقيا إلا بها فإن تركتها سميناه رسميا أو لفظيا ويخرج عن كونه معربا عن حقيقة الشيء ومصورا لكنّه معناه في النفس.
الأولى أن تجمع أجزاء الحد من الجنس والفصول فإذا قال لك مشيرا إلى ما ينبت من الأرض ما هو فلا بد أن تقول جسم لكن لو اقتصرت عليه لبطل عليك بالحجر فتحتاج إلى الزيادة فتقول نام فتحترز به عما لا ينمو فهذا الاحتراز يسمى فصلا أي فصلت به المحدود عن غيره.
الثانية أن تذكر جميع ذاتياته وإن كانت ألفا ولا تبالي بالتطويل لكن ينبغي أن تقدم الأعم على الأخص فلا تقول نام جسم بل بالعكس وهذه لو تركتها لتشوش النظم ولم تخرج الحقيقة عن كونها مذكورة مع اضطراب اللفظ فالإنكار عليك في هذا أقل مما في الأول وهو أن تقتصر على الجسم.
الثالثة إنك إذا وجدت الجنس القريب فلا تذكر البعيد معه فتكون مكررا كما تقول مائع شراب أو تقتصر على البعيد فتكون مبعدا كما تقول في حد الخمر جسم مسكر مأخوذ من العنب وإذا ذكرت هذا فقد ذكرت ما هو ذاتي ومطرد ومنعكس لكنه مختل قاصر عن تصوير كنَه حقيقة الخمر بل لو قلت مائع مسكر كان أقرب من الجسم وهو أيضا ضعيف بل ينبغي أن تقول شراب مسكر فإنه الأقرب الأخص ولا تجد بعده جنسا أخص منه فإذا ذكرت الجنس فاطلب بعده الفصل إذ الشراب يتناول سائر الأشربة فاجتهد أن تفصل بالذاتيات إلا إذا عسر عليك ذلك وهو كذلك عسير في أكثر الحدود فاعدل بعد ذكر الجنس إلى اللوازم (1) واجتهد أن يكون ما ذكرته من اللوازم الظاهرة المعروفة فإن الخفي لا يعرف كما إذا قيل ما الأسد فقلت سبع أبخر ليتميز بالبخر عن الكلب فإن البخر من خواص الأسد لكنه خفي ولو قلت سبع شجاع عريض الأعالي لكانت هذه اللوازم والأعراض أقرب إلى المقصود لأنها أجلى وأكثر ما ترى
(1) قال ابن قدامة في الروضة (1/ 37): وينبغي أن يفصل بالذاتيات ليكون الحد حقيقيا، فإن عسر ذلك عليك فاعدل إلى اللوازم لكي يصير رسميا.
في الكتب من الحدود رسمية إذ الحقيقية عسرة جدا وقد يسهل درك بعض الذاتيات ويعسر بعضها فإن درك جميع الذاتيات حتى لا يشذ واحد منها عسر والتمييز بين الذاتي واللازم عسر ورعاية الترتيب حتى لا يبتدأ بالأخص قبل الأعم عسر وطلب الجنس الأقرب عسر فإنك ربما تقول في الأسد إنه حيوان شجاع ولا يحضرك لفظ السبع فتجمع أنواعا من العسر وأحسن الرسميات ما وضع فيه الجنس الأقرب وتمم بالخواص المشهورة المعروفة.
الرابعة أن تحترز من الألفاظ الغريبة الوحشية والمجازية البعيدة والمشتركة المترددة واجتهد في الإيجاز ما قدرت وفي طلب اللفظ النص ما أمكنك فإن أعوزك النص وافتقرت إلى الاستعارة فاطلب من الاستعارات ما هو أشد مناسبة للغرض واذكر مرادك للسائل فما كل أمر معقول له عبارة صريحة موضوعة للإنباء عنه ولو طول مطول واستعار مستعير أو أتى بلفظ مشترك وعرف مراده بالتصريح أو عرف بالقرينة فلا ينبغي أن يستعظم صنيعه ويبالغ في ذمه إن كان قد كشف عن الحقيقة بذكر جميع الذاتيات فإنه المقصود وهذه المزايا تحسينات وتزيينات كالأبازير من الطعام المقصود وإنما المتحذلقون يستعظمون مثل ذلك ويستنكرونه غاية الاستنكار لميل طباعهم القاصرة عن المقصود الأصلي إلى الوسائل والرسوم والتوابع
…
ومن قال حد اللون ما يدرك بحاسة العين على وجه كذا وكذا فلا ينبغي أن ينكر من حيث إن لفظ العين مشترك بين الميزان والشمس والعضو الباصر لأن قرينة الحاسة أذهبت عنه الاحتمال وحصل التفهيم الذي هو مطلوب السؤال واللفظ غير مراد بعينه في الحد الحقيقي إلا عند المرتسم الذي يحوم حول العبارات فيكون اعتراضه عليها وشغفه بها).
قال الميداني في "ضوابط المعرفة"(ص/65):
3 -
الرسم التامّ.
…
4 - الرسم الناقص.
وسمي رسماً لأن الرسم في اللغة الأثر (1)، والخاصة أثر من آثار الحقيقة التي تدل عليها وتميّزها عن غيرها.
(1) قال الرازي في مختار الصحاح مادة (ر س سم): الرسم الأثر ورسم الدار ما كان من آثارها لاصقا بالأرض.
3 -
الرسم التام: هو ما كان تعريفا للشيء بذكر جنسه القريب مع خاصته اللازمة الشاملة، أي: مع ذكر عرضه اللازم لكل ما صدقاته (1) والخاص به، أو ما هو مماثل لذلك وفي قوته.
فلا يصح التعريف بالعرض العام، مثل (الماشي) بالنسبة إلى الإنسان، فهو عرض ليس خاصا بالإنسان بل هو عام فيه وفي غيره من الحيوانات. ولا يصحّ التعريف بالخاصة المفارقة غير اللازمة، مثل (الضاحك بالفعل) بالنسبة إلى الإنسان، فالضحك بالفعل من خواص الإنسان المفارفة لا اللازمة، إذ قد يكون بالفعل غير ضاحك بخلاف (الضاحك بالقوة)، فهي خاصة لازمة. ولا يصح التعريف بالخاصة غير الشاملة، مثل (الكاتب) بالنسبة إلى الإنسان، وذلك لأن بعض الناس غير كاتب.
الأمثلة:
أ- كتعريف الإنسان بأنه (الحيوان الضاحك بالقوة) أو بأنه (الجسم النامي الحساس الضاحك بالقوة)، فالحيوان ويماثله الجسم النامي الحسّاس هو الجنس القريب للإنسان، والضاحك بالقوة هو خاصة من خواص الإنسان اللازمة له والشاملة لأفراده.
ب- وكتعريف الحيوان بأنه (نام آكل) فالنامي هو الجنس القريب للحيوان، والآكل هو خاصة من خواصه اللازمة له الشاملة لأفراده.
4 -
الرسم الناقص: هو ما كان تعريفا للشيء بذكر خاصته اللازمة الشاملة وحْدَها، أو مع جنسه البعيد، أو مع عرضه العامّ، أو بذكر عرضياب له تختص جملتها بحقيقته.
(1) لفظ (الماصدق) أسم صناعي مأخوذ في الأصل من كلمة (ما) الاستفهامية أو الموصولية، وكلمة (صدق) التي هي فعل ماضٍ من الصدق. إذ كأن يقال مثلا: على ماذا صدق هذا اللفظ؟ فيقال في الجواب: صدق على كذا أو كذا، فاشتقوا من ذلك أو نحتوا كلمة (ماصدق) وعرّفوها بأل التعريف فصاروا يقولون:(الماصدق) ويقصدون به الفرد أو الأفراد التي ينطبق عليها اللفظ إذ يتحقق فيها مفهومه الذهني. فاللفظ الجزئي يثير في الذهن الصورة والصفات التي نعرفها عما يدل عليه هذا اللفظ، مثل:(مكة- نهر الفرات- عمر بن الخطاب) هذا هو مفهوم اللفظ، أما ماصدقه فهو مكة البلد الحرام نفسه، ونهر الفرات ذاته، وعمر بن الخطاب عينه. انظر ضوابط المعرفة (ص/45 - 46).
الأمثلة:
أ- كتعريف الإنسان بأنه (الضاحك بالقوة) أو (القابل للعلم وصنعة الكتابة) فكل منها بالنسبة إلى الإنسان من خواصه اللازمة الشاملة لكل أفراده.
ب- وكتعريف الإنسان بأنه (جسم ضاحكٌ بالقوة) فالجسم جنس بعيد للإنسان، وضاحك بالقوة خاصة لازمة شاملة من خواصه.
ج- وكتعريف الإنسان بأنه (ماش على قدميه عريض الأظفار بادي البشرة ضحّاك بالطبع) فكل هذه عرضيات تختصُّ جملتها بحقيقة نوع الإنسان.
5 -
التعريف اللفظي: وهو تعريف اللفظ بلفظ آخر مرادف له معلوم عند المخاطب، ومرادفُ الشيء هو في الحقيقة خاصة من خواصه.
الأمثلة:
أ- كتعريف البر بأنه (القمح).
ب- وكتعريف القسورة بأنه (الأسد).
ج- وكتعريف القُرء بأنه لفظ مشترك بين الحيض والطهر.
6 -
التعريف بالمثال: وهو تعريف الشيء بذكر مثال من أمثلته، ومثالُ الشيء هو في الحقيقة خاصة من خواصه.
الأمثلة:
أ- كتعريف الاسم بأنه ما أشبه لفظ زيد ورجل والذي.
ب- وكتعريف الفعل بأنه ما أشبه لفظ سَمِعَ ويقول وخُذْ.
7 -
التعريف بالتقسيم: وهو تعريف الشيء بذكر الأقسام التي ينقسم إليها، ومعلوم أن أقسام الشيء خاصة من خواصه.
الأمثلة:
أ- كتعريف الكلمة بأنها اسم وفعل وحرف.
ب- وكتعريف العدد بأنه زوج وفرد.