الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلو - يعني: لا يخلو أن يكون رفع حكم أو رفع لفظ أو رفع حكم ولفظ، فله ثلاثة أوجه.
ما دمنا قلنا: "رفع" فإنه يلزم أن يكون الناسخ متأخرا عن المنسوخ؛ لأن الرافع يكون بعد المرفوع (1).
وقوله: (دليل شرعي) يخرج ما ليس دليلا شرعيا كالأوامر الصادرة من الحكام والولاة والأمراء وما أشبه ذلك، فإذا رفعوا الأمر الأول وأتوا بأمر جديد لا يسمى نسخا اصطلاحا؛ لأن هذا ليس من الأمور الشرعية بل من الأمور العرفية الوضعية. ونحن إنما نتكلم عن الشرعية (2).
وخرج بقولنا: " بدليل من الكتاب والسنة " ما عداهما من الأدلة كالإجماع والقياس فلا ينسخ بهما.
تنبيهات:
الأول - شرح وبيان محترزات أخرى لقيود التعريف:
قال الطوفي في "شرح مختصر الروضة"(2/ 256): (فسر الرفع بأنه إزالة الحكم على وجه، لولاه لبقي ثابتًا، كرفع الإجارة بالفسخ؛ فإنه يغاير زوالها بانقضاء مدتها؛ لأن فسخها قطع لدوامها، لسبب خفي عن المتعاقدين عند ابتداء العقد وانقضاء مدتها هو ارتفاع حكمها لسبب علماه عند ابتداء العقد، وهو انقضاء الأجل؛ فمن استأجر أرضًا سنة، علم عند ابتداء العقد أن عند انتهاء السنة، يرتفع حكم الإجارة، ولو انقطع ماء الأرض، أو بانت مستحقة في أثناء السنة؛ فللمستأجر الفسخ، مع عدم علمه عند ابتداء العقد بانقطاع ماء الأرض، واستحقاقها؛ فكذلك نسخ الحكم، هو قطع لدوامه، لا
(1) سيأتي مناقشة هذا الكلام قريبا - بإذن الله تعالى -.
(2)
قال ابن الجوزي في " نواسخ القرآن"(ص/ 24) وهو يتكلم عن شروط النسخ: (الشرط الثالث أن يكون الحكم المنسوخ مشروعا أعني أنه ثبت بخطاب الشرع فأما إن كان ثابتا بالعادة والتعارف لم يكن رافعه ناسخا بل يكون ابتداء شرع وهذا شيء ذكر عند المفسرين فإنهم قالوا كان الطلاق في الجاهلية لا إلى غاية فنسخه قوله {الطلاق مرتان} وهذا لا يصدر ممن يفقه لأن الفقيه يفهم أن هذا ابتداء شرع لا نسخ).
بيان انتهاء مدته في علم الله تعالى، إذ ذلك لا يسمى نسخًا، كما أن انقضاء مدة الإجارة لا يسمى فسخًا).
قوله: (رفع حكم) أي رفع تعلقه بأفعال المكلفين لا رفعه هو، فإنه أمر واقع، والواقع لا يمكن رفعه.
قوله: (رفع) يخرج المخصصات المتصلة كالاستثناء والشرط ونحوهما؛ لأن المتصل يكون مبينا لا رافعا (1).
قوله: (دليل شرعي) يخرج النقل عن البراءة الأصلية أو العقلية، فلا تسمى نسخا (2).
قوله: (بدليل من الكتاب والسنة) يخرج ما رفع حكمه بدليل عقلي، كسقوط غسل الأعضاء المقطوعة من جسم المكلف.
ويخرج أيضا ما زال حكمه لانتهاء غايته، وانقضاء وقته. قال الطوفي في "شرح مختصر الروضة" (2/ 258): (وأيضا احتراز من زوال الحكم بالموت والجنون، فإن من مات، أو جن، انقطعت عنه أحكام التكليف، وليس ذلك بنسخ ; لأن انقطاع الأحكام عنهما لم يكن بخطاب، وكذلك ارتفاع حكم الصوم بمجيء الليل، وحكم
(1) راجع الفرق بين النسخ الجزئي والتخصيص، سوف يأتي قريبا زيادة بيان لذلك.
(2)
قال الشنقيطي في "المذكرة"(ص/15): (اعلم أن الإباحة عند أهل الأصول قسمان:
الأولى: إباحة شرعية أي عرفت من قبل الشرع كإباحة الجماع في ليالي رمضان المنصوص عليها بقوله: " أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ " ونسمى هذه الإباحة الإباحة الشرعية.
الثانية: إباحة عقلية وهى تسمى في الاصطلاح البراءة الأصلية والإباحة العقلية وهى بعينها (استصحاب العدم الأصلي حتى يرد دليل ناقل عنه) ومن فوائد الفرق بين الاباحتين المذكورتين أن رفع الإباحة الشرعية يسمى نسخا كرفع إباحة الفطر في رمضان، وجعل الإطعام بدلا عن الصوم المنصوص في قوله:(وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)[البقرة: 184] فانه منسوخ بقوله: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)[البقرة: 185]. وأما الإباحة العقلية فليس رفعها نسخا لأنها ليست حكما شرعيا بل عقليا، ولذا لم يكن تحريم الربا ناسخا لإباحته في أول الاستلام لأنها إباحة عقلية)، وأيضا من الأمثلة على الإباحة الشرعية قوله تعالى:{وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَءَابَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ إِلَاّ مَا قَدْ سَلَفَ} وقوله تعالى {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الاٍّخْتَيْنِ إَلَاّ مَا قَدْ سَلَفَ} والأظهر أن الاستثناء فيهما في قوله: {إِلَاّ مَا قَدْ سَلَفَ} . منقطع أي لكن ما سلف من ذلك قبل نزول التحريم، فهو عفو، لأنه على البراءة الأصلية. انظر أضواء البيان (7/ 498).