الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنبيهان:
الأول - قول الأصفهاني في نفيه جواز النسخ شرعا:
قال الطوفي في "شرح مختصر الروضة"(2/ 270): («وخالف أبو مسلم» يعني: الأصفهاني، في جواز النسخ شرعًا، أي: أن الذي دل على امتناع النسخ هو الشرع، لا العقل، «لقوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ. لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ)[فصلت: 41، 42]، والنسخ إبطال» قوله:«وليس بشيء» ، يعني: ما احتج به أبو مسلم لا حجة فيه؛ لأن المراد من قوله تعالى: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ)، أي: لا يأتيه الكذب، (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) يعني الكتب السالفة لا تكذبه، بل هي موافقة له، (وَلَا مِنْ خَلْفِهِ)، أي: من بعد نزوله وانقضاء عصر النبوة، بأن يقع بعض ما وعد به من المخبرات، على خلاف ما تضمنه من الإخبارات
…
قوله: «ثم الباطل غير الإبطال» ، هذا رد آخر على أبي مسلم، وهو أن الآية إنما دلت على نفي الباطل عن القرآن، لا على نفي الإبطال، والنسخ إبطال للحكم، لا باطل لاحق بالقرآن، ولله سبحانه وتعالى أن يبطل من أحكام شرعه ما شاء، ويثبت ما شاء؛ فما نفته الآية غير ما أثبتناه.
ومعنى إبطال الحكم بالنسخ: أن ما كان مشروعًا صار غير مشروع. ثم إن أبا مسلم يدعي امتناع النسخ شرعًا دعوى عامة، والآية التي احتج بها، إنما تدل - لو دلت - على امتناع النسخ في القرآن خاصة، والدعوى العامة لا تثبت بالدليل الخاص.
ثم هو محجوج بإجماع الأمة على نسخ شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، لما قبلها من الشرائع، مع أنها شرائع حق صحيحة، لا يأتيها الباطل. فجوابه عنها هو جوابنا عن لحوق النسخ للقرآن، غير أن أبا مسلم يجعل كل ما سماه غيره نسخًا، من باب انتهاء الحكم بانتهاء مدته ووجود غايته، لا من باب ارتفاعه بورود مضاده؛ فهو معنى قول بعض الأصوليين: إن النسخ بيان انتهاء مدة الحكم
…
).
- وقد اختلف في قول الأصفهاني المعتزلي - على فرض ثبوته عنه (1) - فهو قول شاذ مخالف للكتاب والسنة وإجماع من سبق وقد وصفه بذلك أبو الحسين البصري
(1) لا أقول هذا تشكيكا في ثبوت القول عنه، وإنما لما وقفت عليه ممن قال أنه لا يصح عنه.
وهو معتزلي أيضا فقال في "المعتمد"(1/ 370): (اتفق المسلمون على حسن نسخ الشرائع إلا حكاية شاذة عن بعض المسلمين أنه لا يحسن ذلك).
وقال الشوكاني في "إرشاد الفحول"(2/ 52): (النسخ جائز عقلا واقع سمعا بلا خلاف في ذلك بين المسلمين إلا ما يروي عن أبي مسلم الأصفهاني فإنه قال أنه جائز غير واقع وإذا صح هذا عنه فهو دليل على أنه جاهل بهذه الشريعة المحمدية جهلا فظيعا وأعجب من جهله بها حكاية من حكى عنه الخلاف في كتب الشريعة فإنه إنما يعتد بخلاف المجتهدين لا بخلاف من بلغ في الجهل إلى هذه الغاية).
- فقيل - يعني في توجيه هذا القول الشاذ -: أنه محمول على إنكار التسمية فهو يسميه تخصيصا لا نسخاً فيكون الخلاف في الاصطلاح لا الجواز.
قال الشيخ في تفسير البقرة: (من فوائد الآية - أي قوله تعالى: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا) -: ثبوت النسخ، وأنه جائز عقلاً، وواقع شرعاً؛ وهذا ما اتفقت عليه الأمة إلا أبا مسلم الأصفهاني؛ فإنه زعم أن النسخ مستحيل؛ وأجاب عما ثبت نسخه بأن هذا من باب التخصيص؛ وليس من باب النسخ؛ وذلك لأن الأحكام النازلة ليس لها أمد تنتهي إليه؛ بل أمدها إلى يوم القيامة؛ فإذا نُسِخت فمعناه أننا خصصنا الزمن الذي بعد النسخ. أي أخرجناه من الحكم.؛ فمثلاً: وجوب مصابرة الإنسان لعشرة حين نزل كان واجباً إلى يوم القيامة شاملاً لجميع الأزمان؛ فلما نُسخ أخرج بعض الزمن الذي شمله الحكم، فصار هذا تخصيصاً؛ وعلى هذا فيكون الخلاف بين أبي مسلم وعامة الأمة خلافاً لفظياً؛ لأنهم متفقون على جواز هذا الأمر؛ إلا أنه يسميه تخصيصاً؛ وغيره يسمونه نسخاً؛ والصواب تسميته نسخاً؛ لأنه صريح القرآن:(مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا)؛ ولأنه هو الذي جاء عن السلف .. ) (1).
قال البعلي في "المختصر"(ص/ 137): (وخالف أكثر اليهود في الجواز وأبو مسلم الأصفهاني في الوقوع وسماه تخصيصا فقيل خالف فالخلاف إذا لفظي).
وقال المحلي في "شرح جمع الجوامع"(2/ 88 - حاشية البناني): (النسخ واقع عند كل المسلمين، وسماه أبو مسلم الأصفهاني من المعتزلة تخصيصاً، لأنه قصر الحكم
(1) وانظر شرح الأصول (ص/393).