الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المخصصات المتصلة:
أولًا - الاستثناء:
تعريفه:
قال الشيخ: (فمن المخصص المتصل:
أولاً: الاستثناء وهو لغة: من الثني وهو رد بعض الشيء إلى بعضه كثني الحبل.
واصطلاحاً: إخراج بعض أفراد العام بإلا أو إحدى أخواتها).
1 -
الاستثناء لغة:
قال الفيومي في المصباح المنير: (الِاسْتِثْنَاءُ اسْتِفْعَالٌ مِنْ ثَنَيْثُ الشَّيْءَ أَثْنِيهِ ثَنْيًا مِنْ بَابِ رَمَى إذَا عَطَفْته وَرَدَدْتُهُ وَثَنَيْتُهُ عَنْ مُرَادِهِ إذَا صَرَفْتُهُ عَنْهُ وَعَلَى هَذَا فَالِاسْتِثْنَاءُ صَرْفُ الْعَامِلِ عَنْ تَنَاوُلِ الْمُسْتَثْنَى
…
) (1).
قال الطوفي في " شرح مختصر الروضة "(2/ 580): (اعلم أن الاستثناء من حيث اللفظ: استفعال إما من التثنية؛ لأن المستثنى في كلامه يثني الجملة، أي: يأتي بجملة ثانية في كلامه، نحو: قام القوم إلا زيدًا؛ فهم منه قيام القوم، وعدم قيام زيد؛ فهي جملتان، أو من: ثني الفارس عنان فرسه، إذا عطفه؛ لأن المستثنى يعطف على الجملة؛ فيخرج بعضها عن الحكم بالاستثناء)(2).
2 -
الاستثناء اصطلاحا:
عرفه الشيخ بقوله: (واصطلاحاً: إخراج بعض أفراد العام بإلا أو إحدى أخواتها).
فائدة ما يطلق عليه لفظ الاستثناء في عرف الأصوليين:
وهذه الفائدة هامة لابد من الوقوف عليها قبل شرح تعريف الشيخ فقد اختلفت أقوال الأصوليين فيما يطلق عليه الاستثناء وتبعا لذلك اختلفت تعريفاتهم.
قال الشيخ علي الحكمي في "تخصيص العام"(ص/127): (ما يطلق عليه لفظ الاستثناء عرفا:
(1) انظر مادة (ث ن ى) في: الصحاح، جمهرة اللغة، المحيط في اللغة، العين، أساس البلاغة.
(2)
انظر التحبير (6/ 2532).
اعلم أنه إذا قيل:" قام القوم إلا زيدا " فلفظ الاستثناء يطلق على أربعة أشياء:
أحدها - المعنى المصدري المفهوم من الكلام، وهو الإخراج أو المنع من إرادة البعض مما تناوله صدر الكلام بالحكم أو المخالفة.
الثاني - المخرج، وهو المستثنى من الحكم.
الثالث - لفظ المستثنى وهو "زيد" في المثال المذكور.
الرابع - مجموع لفظ "إلا زيدا" أي الأداة مع ما بعدها (1).
قال: والذي يناسب بحثنا هو الاستثناء بمعنى الأداة وما بعدها؛ لأن الكلام هنا في أدلة التخصيص، ودليل التخصيص إنما هو اللفظ الدال على أن بعض ما تناوله العام في الظاهر غير مراد بالحكم وهو هنا الأداة مع ما بعدها).
وبعد فتعريف الشيخ إنما هو باعتبار المعنى المصدري وهو الإخراج (2).
وقد وافق الشيخ على تعريف الاستثناء بالمعنى المصدري جماعة من الأصوليين منهم:
ابن النجار والطوفي، وابن الحاجب وتبعه العضد، وعرفه بذلك أيضا البيضاوي وابن السبكي وصدر الشريعة، وغيرهم.
قال ابن النجار في "مختصر التحرير": " وهو إخراج ما لولاه لوجب دخوله لغة بإلا أو إحدى أخواتها"
وعرفه الطوفي في مختصر الروضة (ص/111) بقوله: (الاستثناء إخراج بعض الجملة بإلا أو ما قام مقامها).
اعتراضان:
وقد توجه لهذا الحد اعتراضات ومنها:
الأول - قوله: (إخراج)
وقد عرض الطوفي في "شرح مختصر الروضة"(2/ 581) لهذه الشبهة وأجاب عنها فقال: («قول من يزعم أن التعريف» يعني تعريف الاستثناء «بالإخراج» ، أي:
(1) حاشية السعد على شرح العضد لمختصر ابن الحاجب (2/ 133).
(2)
وعرفه بناء على إطلاق لفظ الاستثناء على الأداة وما بعدها الغزالي وابن قدامة في الروضة وابن الهمام والقرافي، وانظر:"تخصيص العام" للشيخ علي الحكمي (ص/129).
بقولنا: هو إخراج بعض الجملة، «تناقض» لأن هؤلاء قالوا: تعريف الاستثناء بإخراج بعض الجملة يقتضي أن ذلك البعض دخل في الجملة المستثنى منها، ثم أخرج بالاستثناء؛ فيكون تناقضًا؛ لأنه إذا قال: قام القوم، اقتضى قيام زيد فيهم، فإذا قال: إلا زيدًا، اقتضى أنه لم يقم فيهم؛ فصار التقدير: قام زيد، لم يقم زيد، وذلك تناقض، وعلى هذا بني أبوبكر من أصحابنا أن الاستثناء في الطلاق لا يصح؛ لأنه إذا قال: أنت طالق ثلاثًا، وقعت ثلاث، فإذا قال: إلا واحدة، لم ينفعه؛ لأن الطلاق إذا وقع، لا يرتفع، ولأنه يلزم التناقض المذكور في الطلقة الثالثة.
- قوله: «وليس بشيء» ، أي: هذا السؤال ليس بشيء، ولا تناقض في تعريف الاستثناء بالإخراج لوجهين:
أحدهما: أن متقدمي أهل العربية عرفوه بالإخراج، قال ابن جني، وحسبك به مقدمًا في هذا الشأن: الاستثناء: أن تخرج شيئًا أدخلت فيه غيره، أو تدخله فيما أخرجت منه غيره، وحينئذ يجب المصير إلى ما قالوه، واعتقاد أن لا تناقض في ذلك؛ لأنهم أهل اللغة، وهي وأهلها بريئون من التناقض فيها.
الوجه الثاني: أنا إذا قلنا: قام القوم؛ فقد أسندنا القيام إلى جميعهم لعموم اللفظ فيهم، وذلك يتناول زيدًا وغيره، ولا معنى لدخوله في المستثنى منه، إلا أن القيام منسوب إليه كغيره، فإذا قلنا بعد ذلك: إلا زيدًا؛ فقد أخرجناه منهم بعد دخوله فيهم، نعم، دخوله فيهم دخول لفظي لا معنوي؛ لأن القائل يقول: قام القوم، مع اعتقاده أن زيدًا لم يقم معهم، ولذلك عطف عليه؛ فاستثناه منهم، وإذا كان دخول المستثنى وإخراجه لفظيًا: لم يلزم منه تناقض
…
)
هذه المسألة سبق وأن تكلمنا عليها في الفرق بين النسخ الجزئي والتخصيص وأنه يزاد في تعريف التخصيص قيد "قبل تقرر الحكم".
والطوفي هنا بين أن المقصود من دخول المستثني إنما هو دخول لفظي لا حكمي، وهذا نحو ما سبق وأن قررناه من أن التخصيص هو قصر حكم العام لا قصر لفظه وعليه فيكون الخلاف لفظيا (1) ولكن الإخراج المذكور في عبارة الطوفي يحتمل أن
(1) وقد قرر هذا الطوفي فقال في شرح مختصر الروضة (2/ 583): (وما ذكره أبو بكر من الاستثناء في عدد الطلاق لا يصح، يشكل عليه بصحة الاستثناء في الإقرار بالمال، وقد قال به، مع أن الإنسان مؤاخذ بموجب إقراره، كما أنه مؤاخذ بموجب إيقاعه الطلاق، فلما اتفقنا على صحة الاستثناء في الإقرار بالمال، دل على أن دخول المستثنى لفظي كما قلنا، لا معنوي، وأن ذلك ليس من باب رفع الواقع، بل من باب منع الوقوع في المعنى، أو من باب التخصيص المحض، وبيان أن المستثنى غير مراد. وحينئذ تتقارب الأقوال في الاستثناء، بل تتفق، ويعود النزاع لفظيًا، والله سبحانه وتعالى أعلم).
يكون من عموم اللفظ أو الحكم؛ فينبغي أن يزاد قيد ليوضح مقصوده من هذا الإخراج فيقال مثلا: (إخراج بعض الجملة قبل إسناد الفعل إليه بإلا أو ما قام مقامها) أو يقال: (إخراج بعض الجملة من عموم حكمها بإلا أو ما قام مقامها).
قال الكفوي في "الكليات": " الاستثناء ودخول المستثنى في المستثنى منه ثم إخراجه بإلا وأخواتها إنما كان قبل إسناد الفعل أو شبهه إليه، فلا تناقض في مثل: (جاءني القوم إلا زيدا) لأنه بمنزلة قولك: (القوم المخرج منهم زيد جاؤوني)، وذلك لأن المنسوب إليه الفعل وإن تأخر عنه لفظا، لكن لا بد له من التقديم وجودا على النسبة التي يدل عليها الفعل، إذ المنسوب إليه والمنسوب سابقان على النسبة بينهما ضرورة، والمنسوب إليه في الاستثناء هو المستثنى منه مع إلا والمستثنى فلا بد من وجود هذه الثلاثة قبل النسبة، فلا بد إذن من حصول الدخول والإخراج قبل النسبة، فلا تناقض").
والأولى أن نعدل في تعريفه على هذه الطريقة بقولنا: (المنع عن دخول بعض ما تناوله صدر الكلام في حكمه بإلا وأخواتها)(1) وهذا التعريف لصدر الشريعة.
الثاني:
قال الشيخ علي الحكمي في "تخصيص العام"(ص/128): (انتقده العضد بأن قوله: "وأخواتها" إن كان يريد بأخوات إلا ما يدل على الإخراج، فالحد غير مانع لدخول الغاية والعطف بلا، فإنهما يدلان على الإخراج في بعض التراكيب، وليس شيء منها استثناء، فتعين أنه يريد بقوله "وأخواتها" ألفاظ الاستثناء المشهورة، وحينئذ كان الأولى أن يضع موضع "إلا وأخواتها" قيدا يدخلها ويخرج ما عداها فيقول:"بحرف وضع له".
(1) انظر شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح (2/ 40).