الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فآية الاعتداد بحول مثلاً، نسخ ما دلت عليه من إيجاب تربص الحول على المتوفى عنها، وبقيت أحكام أخر من أحكامها لم تنسخ، وهي قراءتها في الصلاة، وكتابتها مع القرآن في المصحف، وهو واضح كما ترى.
والجواب عن السؤال الثاني: هو أن نسخ التلاوة فقط معناه نسخ التعبد بلفظه والصلاة به وكتبه مع القرآن في المصحف وهذه أحكام من أحكامه، فلا مانع من نسخها مع بقاء حكم آخر لم ينسخ، وهو ما دل عليه اللفظ، فآية الرجم مثلاً لا مانع من نسخ التعبد بها والصلاة بها، وكتبها في المصحف مع بقاء حكم آخر من أحكامها لم ينسخ، وهو رجم الزانيين المحصنين كما تقدم مثله فان قيل: كيف الجمع بين هذا وبين قولهم هذا منسوخ تلاوة لا حكماً لأنه يفهم منه أن نسخ التلاوة مناف لنسخ الحكم.
فالجواب أن الحكم المنفى عنه النسخ في قولهم لا حكماً غير الحكم المثبت له النسخ بنسخ التلاوة لأنها أحكام قد نسخ بعضها دون بعض كما تقدم قريباً.
الجواب عن السؤال الثالث: هو أنه لا مانع من أن يكون أصل المقصود من المنسوخ تلاوة لا حكماً إنما هو الحكم دون التلاوة، لكنه أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ معين ليثبت به الحكم ويستقر الحال، والحال أنه هو المقصود فلا مانع من نسخ اللفظ، لأن المقصود هو مجرد الحكم فانه قيل: فان جاز نسخ التلاوة فلينسخ الحكم معها لأن الحكم تبع للتلاوة فكيف يبقى الفرع مع نسخ الأصل.
فالجواب: أن التلاوة حكم، وانعقاد الصلاة بها حكم آخر ودلالتها على ما دلت عليه حكم آخر، فلا يلزم من نسخ التعبد بها وعدم الصلاة بها نسخ حكمها الذي دلت عليه، فكم من دليل لا يتلى ولا تنعقد به صلاة، والآية المنسوخة تلاوتها مع بقاء حكمها دليل لنزولها وورودها، لا لكونها متلوة في القرآن والنسخ لا يرفع ورودها ونزولها، ولا يجعلها كأنها غير واردة بل يلحقها بالوارد الذي لا يتلى).
الفائدة الثانية:
قال الشيخ رحمه الله في "الشرح"(ص/421): (هذا وقد اشتهر أن لفظ الآية المنسوخة: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله والله عزيز حكيم)
ولكن هذا لا يصح لأن هذا النص مخالف لهذا الحديث إذ أن هذا النص ربط الحكم بالشيخوخة، والحديث الصحيح ربط الحكم بالإحصان.
ويتبين ذلك لو أن شابا كان محصنا فزنى فمقتضى الآية التي زُعم أنها منسوخة أن لا يرجم؛ لأنه ليس بشيخ ولو زنى شيخ لم يتزوج فمقتضى الآية المنسوخة أن يرجم!! إذا فهي مخالفة للواقع ولما كانت مخالفة للواقع علم أن لفظها لا يصح.
ثم إنك تشعر بركاكة اللفظ، والقرآن كما نعلم لفظه بليغ جدا، وفيه أيضا راحة يرتاح له الإنسان، فقوله:(الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله والله عزيز حكيم) لا تجد فيه الرونق الذي في كلام الله - عزوجل - فهو بعيد عن أن يكون كلام الله باعتبار لفظه وهو لا يمكن أن يكون الحكم الذي نزل ونُسخ لفظه باعتبار مدلوله ومعناه إذا فاللفظ منكر حتى لو فرض أن السند لا بأس به، أو حسن، أو حتى صحيح، فلا يمنع أن يكون شاذا).
وقد اعترض الشيخ على إثبات قرآنية آية الرجم بأمرين:
الأول - مخالفة هذه الآية لما رواه مسلم من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) إذ أن الآية ربطت الحكم بالشيخوخة والحديث ربطه بالثيوبة أو الإحصان، فالعمل على خلاف الظاهر من عمومها (1).
الثاني - ركاكة لفظها.
والجواب عن ذلك بأن يقال:
بداية ورد الحديث في إثبات أن هذه الآية مما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم وأنها كانت قرآنا يقرأ من حديث: عمر، وزيد، وأبيّ، والعجماء رضي الله عنهم (2) وبعض طرقها فيه كلام وبعضها ثابت إلا أن هذه الطرق بمجموعها تنتهض للاحتجاج.
والجواب عن الاعتراض الأول من مقدمتين:
(1) انظر: فتح الباري (12/ 143).
(2)
انظر السلسلة الصحيحة (2913)، ورسالة أسانيد آية الرَّجم للشيخ حمد بن إبراهيم العثمان.
الأولى - إن قوله (الشيخ والشيخة) عام أريد به الخاص (1)، وهو المحصن من الشيوخ، وإنما قلنا ذلك توفيقا بين عمل النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من رجم المحصن دون غيره، وتوفيقا بين الآية والحديث، وإلى هذا أشار جماعة من السلف، قال الإمام مالك رحمه الله في «الموطأ» (2/ 824):«قوله (الشيخ والشيخة) يعني الثيِّب والثَّيبة» .
الثانية - أن هذا من باب التعبير عن الجنس بالأنقص، قال الزركشي في "البرهان" (2/ 35): (وفي هذا سؤالان الأول ما الفائدة في ذكر الشيخ والشيخة وهلا قال المحصن والمحصنة؟
وأجاب ابن الحاجب في أماليه عن هذا بأنه من البديع في المبالغة وهو أن يعبر عن الجنس في باب الذم بالأنقص فالأنقص وفي باب المدح بالأكثر والأعلى فيقال لعن الله السارق يسرق ربع دينار فتقطع يده والمراد يسرق ربع دينار فصاعدا إلى أعلى ما يسرق وقد يبالغ فيذكر مالا تقطع به كما جاء في الحديث (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده) وقد علم أنه لا تقطع في البيضة وتأويل من أوله ببيضة الحرب تأباه الفصاحة).
وينتج عن هاتين المقدمتين أن جنس المحصن يرجم إذا زنى، وهو الموافق للحديث وعمل النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء رضي الله عنهم.
وأما الجواب عن الشبهة الثانية - فيقال على التسليم جدلا بركاكة لفظها، فذلك لأنها سيقت بالمعنى.
قال الشيخ مساعد الطيار (2): (ويعترض البعض أن هذه ليست على نسق القرآن ونظمه المعروف، ونقول: هاهنا قاعدة، وهي: (إن أيَّ آيةٍ نُسِخت فإنه يزول عنها ما للقرآن من خصائصه في نظمه وإعجازه)، ولذا قد تروى بالمعنى، وهنا يزول الإشكال).
تتمة:
قال الآمدي في "الإحكام "(3/ 167): (ولا يمكن أن يقال أن ذلك لم يكن قرآنا
(1) انظر رسالة: أسانيد آية الرَّجم.
(2)
في تعليقه على النوع السابع والأربعين من الإتقان.