الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعريف المجتهد:
قال الشيخ: (المجتهد: من بذل جهده لذلك).
وتعريفه عندي على اعتبار تفسير الفقيه في تعريف الاجتهاد بأنه التهيؤ لمعرفة الأحكام الشرعية يكون: (الفقيه الذي يبذل وسعه لاكتساب حكم شرعي ظني عملي من أدلته التفصيلية).
وأما على اعتبار أن كلمة الفقيه المراد به من توفرت فيه
شروط الاجتهاد
فيكون التعريف: (من بذل وسعه لاكتساب حكم شرعي ظني عملي من أدلته التفصيلية).
وكما سبق أن الأول أولى.
شروط الاجتهاد
تكلم الشيخ عن بعض شروط الاجتهاد وترك الكلام على بعض الشروط الأخرى الهامة كإسلام المجتهد فالاجتهاد عبادة والإسلام شرط في كل عباده (1)، وغير المسلم مهما بلغ من العلم بعلوم الشريعة لا يُقبلُ اجتهادُه (2). وأن يكون عاقلا؛ لأن من لا عقل له لا يدرك علما، لا فقها ولا غيره (3).وأن يكون بالغا أو مميزا على الخلاف الوارد في اشتراط ذلك، إلى غير ذلك من الشروط.
-
الشرط الأول:
قال الشيخ: (أن يعلم من الأدلة الشرعية ما يحتاج إليه في اجتهاده كآيات
الأحكام وأحاديثها) (4).
لم يختلف العلماء في اشتراط معرفة أدلة الأحكام في الجملة، ولكن وقع الخلاف في عدد هذه الأدلة.
(1) انظر حاشية المطيعي على نهاية السول (4/ 547).
(2)
"أصول الفقه" لعياض السلمي (ص/451).
(3)
"التحبير"(8/ 3870).
(4)
انظر: العدة (5/ 1594)، وروضة الناظر (ص/352)، والتحبير (8/ 3870)، ومختصر ابن
اللحام (ص/163)، والمدخل (ص/368).
وسبب اختلافهم هل يكتفي بمعرفةُ الآيات والأحاديث الدالة على الأحكام بطريق النصّ أو الظاهر، دون ما دل على الأحكام بطريق الإشارة أو مفهومِ المخالفة، ونحوِهما من طرق الدلالة الخفيّة.
فمن قال بالأول قال بحصر الأدلة فقالوا من الآيات يكتفى بخمسمائة آية (1) وقيل تسعمائة (2)، وقيل غير ذلك (3).
ومن قال بالثاني لم يحصر الآيات في آيات الأحكام وحسب بل زاد ما يتعلق بالوعد والإخبار عن أمور الآخرة أو القرون السالفة والأقاصيص والمواعظ ونحوهم، فقل أن يوجد في القرآن الكريم آية إلا ويستنبط منها شيء (4).
قال الطوفي في "شرح مختصر الروضة"(3/ 577): (أما الكتاب: فالواجب عليه أن يعرف منه ما يتعلق بالأحكام، وهو قدر خمسمائة آية، كما قال الغزالي وغيره، والصحيح أن هذا التقدير غير معتبر، وأن مقدار أدلة الأحكام في ذلك غير منحصر، فإن أحكام الشرع كما تستنبط من الأوامر والنواهي؛ كذلك تستنبط من الأقاصيص والمواعظ ونحوها، فقل أن يوجد في القرآن آية إلا ويستنبط منها شيء
(1) نقل ذلك عن الغزالي والرازي وابن قدامة وابن العربي، وغيرهم ولعلهم ذهبوا لذلك لما رأوا مقاتل بن سليمان أول من أفرد آيات الأحكام في تصنيف وجعلها خمسمائة آية.
(2)
نقل عن ابن المبارك، وانظر رسالة "الاجتهاد في الإسلام"(ص/66).
(3)
قال المرداوي في "التحبير"(8/ 3871): (وقد قيل: إن آيات الأحكام مائة آية، حكاه ابن السيوطي في شرح منظومته ' جمع الجوامع ' وحكى البغوي عند قوله تعالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ)[البقرة: 269] ' عن الضحاك أنه قال: في القرآن مائة آية وتسع آيات ناسخة ومنسوخة، وألف آية حلال وحرام، لا يسع المؤمنين تركهن حتى يتعلموهن ' انتهى).
(4)
قال ابن النجار في "شرح الكوكب"(4/ 460): ("و" أن يكون عالما ب "الأدلة السمعية مفصلة، واختلاف مراتبها" وليس المراد: أن يعرف سائر آيات القرآن، وجميع أحاديث السنة، وإنما المراد: ما يحتاج إلى معرفته. "فمن الكتاب والسنة: ما يتعلق بالأحكام" وقد ذكروا أن الآيات خمسمائة آية، وكأنهم أرادوا ما هو مقصود به الأحكام بدلالة المطابقة أما بدلالة الالتزام: فغالب القرآن، بل كله؛ لأنه لا يخلو شيء منه عن حكم يستنبط منه).
وقال الرزكشي في البحر المحيط (4/ 490): (قال ابن دقيق العيد: «ولعلهم قصدوا بذلك الآيات الدالة على الأحكام دلالة أولية بالذات لا بطريق التضمن والالتزام»).
من الأحكام. وكأن هؤلاء الذين حصروها في خمسمائة آية إنما نظروا إلى ما قصد منه بيان الأحكام دون ما استفيدت منه، ولم يقصد به بيانها.
قوله: «وكذلك من السنة» ، أي: ويشترط أن يعرف من السنة الأحاديث التي تتعلق بالأحكام، كما يشترط أن يعرف الآيات التي تتعلق بها من القرآن
قلت: فالكلام هنا في التقدير، كالكلام هناك، أعني أن استنباط الأحكام لا يتعين له بعض السنة دون بعض، بل قل حديث يخلو عن الدلالة على حكم شرعي).
وأيد السيوطي ما أشار إليه الطوفي من عدم الحصر لأدلة الأحكام وأحاديثها حيث قال في رسالته " الرد على من أخلد إلى الأرض"(ص/150): (ذكر الغزالي في المستصفى: إنه لا يلزم في الاجتهاد الإحاطة بجميع نصوص الكتاب والسنة، بل تكفيه الإحاطة بما يتعلق منها بالأحكام، وهو خمسمائة آية من الكتاب، وأحاديث مضبوطة من السنة بالكتب، وإن لم تكن محصورة .. ولا حاجة إلى معرفة ما يتعلق منها بالوعد والإخبار عن أمور الآخرة أو القرون السالفة.
واستشكله التبريزي في تنقيحه قال: بأن العلم بحصر دلائل الأحكام يتوقف على استقراء جميع جمل الكتاب والسنة وفهم مقاصدها، فكيف يجوز له الاقتصار على علم بعضها؟ وكيف يأمن أن يكون وراء ما حوى وحصر أدلة يمكن استفادة حكم الواقعة منها؟؛ فإن وجوه أدلة الدلائل قد تختلف باختلاف نظر المجتهدين فيختص البعض بدرك ضروب منها، ولهذا عد من خاصية الشافعي رضي الله عنه التفطن لدلالة قوله صلى الله عليه وسلم:(إذا أستيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده) على نجاسة الماء القليل بوقوع النجاسة فيه من غير تغيير، ودلالة قوله عليه السلام أن إحداهن تمكث شطر دهرها لا تصم ولا تصلي على تقدير أكثر مدة الحيض بخمسة عشر يوما.
ودلالة قوله تعالى: (وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) [مريم: 92، 93] على أن من ملك ولده عتق عليه، وما أظن أن أهل الحصر عدوا هذه الآية من أدلة الأحكام - انتهى كلام التبريزي.
وقال الزركشي في البحر: ضبط بعضهم معرفة ما يحتاج إليه من السنن المتعلقة
بالأحكام بثلاثة آلاف حديث.
وشدد أحمد فسئل كم يكفي الرجل من الحديث حتى يمكنه أن يفتي، أيكفيه مائة ألف؟ .. قال: لا.
قيل: مائتا ألف؟ قال: لا.
قيل: ثلاثمائة ألف؟ قال: لا.
قيل: أربعمائة ألف؟ قال: لا.
قيل خمسمائة الف؟ قال: أرجو.
قال الزركشي: وكان مراده بهذا العدد آثار الصحابة والتابعين، وطرق المتون، ولهذا قال: من لم يجمع طرق الحديث لم يحل له الحكم ولا الفتيا ..
قال بعض أصحابه: ظاهر هذا أنه لا يكون من أهل الاجتهاد حتى يحفظ هذا العدد
…
).
وقد اختار الشيخ عياض السلمي أنه يكتفى بمعرفة الأدلة الدالة على الأحكام بطريق النصّ أو الظاهر دون ما كانت دلالته خفية، فقال في "أصوله" (ص/451): (معرفةُ الآيات والأحاديث الدالة على الأحكام بطريق النصّ أو الظاهر، ومعرفة ما يصِحُّ من تلك الأحاديث وما لا يصِحُّ.
أما الآياتُ والأحاديثُ الدالّةُ بطريق الإشارة أو مفهومِ المخالفة، ونحوِهما من طرق الدلالة الخفيّة، فلا يُشترَطُ معرفتُها، كما لا يلزمُ معرفةُ أكثر من دليلٍ واحدٍ على الحكم، إذا لم تكنْ في الدليل الآخَر زيادةُ حكمٍ تتعلَّقُ بشروطه أو قيوده، ونحو ذلك.
والدليلُ على اشتراط هذا القدر: أن مَن اجتهد قبلَ تحصيله فقد يُخالفُ المنصوصَ عليه في القرآن أو السنة، فيكونُ اجتهادُه باطلاً.
وأما الدليلُ على عدم اشتراط ما زاد على ذلك فهو: أن الصحابةَ كانوا يجتهدون مع غفلتهم عن بعض ما دلّ عليه القرآن بطريق الإشارة أو الالتزام، ولم يكن اجتهادُهم واقعاً ممن ليس أهلاً.
ولما عُرفَ عنهم من أنهم يعذرون المخطئَ إذا لم يكن الدليلُ ظاهراً قوياّ.
ومما يُؤيِّدُ ما ذكرته أن الإحاطةَ بكلِّ ما في القرآن من المعاني ليس ممكناً، فلو اشترطنا ذلك لما تمكن أحدٌ من الاجتهاد).